تعالى أندادا وفعلوا ما فعلوا من القبائح الجسام وأجنبني وبني أي بعدني واياهم أن نعبد الأصنام .
53 .
- أي عن عبادتها وقرأ الجحدري وعيسى الثقفي وأجنبني بقطع الهمزة وكسر النون بوزن أكرمني وهما لغة أهل نجد يقولون : جنبه مخففا وأجنبه رباعيا وأما أهل الحجاز فيقولون : جنبه مشددا وأصل التجنب أن يكون الرجل في جانب غير ما عليه غيره ثم استعمل بمعنى البعد والمراد هنا على ماقال الزجاج طلب الثبات والدوام على ذلك أي ثبتنا على مانحن عليه من التوحيد وملة الاسلام والبعد عن عبادة الاصنام وإلا فالانبياء معصومون عن الكفر وعبادة غير الله تعالى وتعقب ذلك الامام بأنه لما كان من المعلوم أنه سبحانه يثبت الأنبياء عليهم السلام على الاجتناب فما الفائدة في سؤال التثبيت ثم قال : والصحيح عندي في الجواب وجهان : الأول أنه عليه السلام وإن كان يعلم أن الله تعالى يعصمه من عبادة الأصنام إلا أنه ذكر ذلك هضما لنفسه وإظهارا للحاجة والفاقة إلى فضل الله سبحانه وتعالى في كل المطالب والثاني أن الصوفية يقولون : الشرك نوعان ظاهر وهو الذي يقول به المشركون وخفى وهو تعلق القلب بالوسائط والاسباب الظاهرة والتوحيد المحض قطع النظر عما سوى الله تعالى فيحتمل أن يكون مراده عليه السلام من هذا الدعاء العصمة عن هذا الشرك انتهى ويرد على هذا الأخير أنه يعود السؤال عليه فيما أظن لأن النظر إلى السوى يحاكي الشرك الذي يقول به المشركون عند الصوفية فقد قال قائلهم 1 : ولو خطرت لي في سواك ارادة على خاطري سهوا حكمت بردتي ولا أظن أنهم يجوزون ذلك للانبياء عليهم السلام وحيث بني الكلام على ماقرروه يقال : ما فائدة سؤال العصمة عن ذلك والانبياء عليهم السلام معصومون عنه والجواب الصحيح عندي ماقيل : إن عصمة الأنبياء عليهم السلام ليست لأمر طبيعي فيهم بل بمحض توفيق الله تعالى اياهم وتفضله عليهم ولذلك صح طلبها وفي بعض الآثار أن الله سبحانه قال لموسى عليه السلام : ياموسى لاتأمن مكري حتى تجوز الصراط .
وأنت تعلم أن المبشرين بالجنة على لسان الصادق المصدوق E كانوا كثيرا مايسألون الله تعالى الجنة مع أنهم مقطوع لهم بها ولعل منشأ ذلك ماقيل لموسى عليه السلام فتدبر والمتبادر من بنيه عليه السلام من كان من صلبه فلا يتوهم ان الله تعالى لم يستجب دعاءه لعبادة قريش الأصنام وهم من ذريته عليه السلام حتى يجاب بما قاله بعضهم من ان المراد كل من كان موجودا حال الدعاء من أبنائه ولا شك أن دعوته عليه السلام مجابة فيهم أو بأن دعاءه استجيب في بعض دون بعض ولا نقص فيه كما قال الامام .
وقال سفيان بن عيينة : إن المراد ببنيه مايشمل جميع ذريته عليه السلام وزعم أنه لم يعبد أحد من أولاد اسمعيل عليه السلام الصنم وإنما كان لكل قوم حجر نصبوه وقالوا هذا حجر والبيت حجر وكانوا يدورون به ويسمونه الدوار ولهذا كره غير واحد أن يقال دار بالبيت 2 بل يقال طاف به وعلى ذلك أيضا حمل مجاهد البنين وقال : لم يعبد أحد من ولد ابراهيم عليه السلام صنما وانما عبد بعضهم الوثن وفرق بينهما بأن الصنم هو التمثال المصور والوثن هو التمثال الغير المصور وليت شعري كيف ذهبت على هذين