عليك البلاغ فيصير المعنى وعلينا لاعليك محاسبة أعمالهم قيل : وهو الظاهر ترجيحا للمنطوق على المفهوم اذا اجتمع دليلا حصر وحاصل معنى الآية كيفما دارت الحال أريناك بعض ما وعدناهم من العذاب الدنيوي أو لم نركه فعلينا ذلك وما عليك الا التبليغ فلا تهتم بما وراء ذلك فنحن نكفيكه ونتم ما وعدناك به من الظفر ولا يضجرك تأخره فان ذلك لما نعلم من الصالح الخفية وفي البحر عن الحوفي انه قد تقدم في الآية شرطان نرينك ونتوفيك لأن المعطوف على الشرط شرط وقوله تعالى : فانما عليك البلاغ لايصلح أن يكون جوابا للشرط الاول ولا للشرط الثاني لأنه لايترتب على شيء منهما وهو ظاهر فيحتاج الى تأويل وهو ان يقدر لكل شرط منهما مايناسب ان يكون جزاء مترتبا عليه فيقال والله تعالى أعلم : وإما نرينك بعض الذي نعدهم فذلك شافيك من أعدائك ودليل صدقك وإما نتوفينك قبل حلوله بهم فلا لوم عليك ولاعتب ويكون قوله تعالى : فانما الخ دليلا عليهما والواقع من الشرطين هو الاول كما في بدر .
ثم انه سبحانه طيب نفسه E بطلوع تباشير الظفر فقال جل شأنه : أولم يروا الخ والاستفهام للانكار والواو للعطف على مقدر بقضيته المقام أي أأنكروا نزول ما وعدناهم أو أشكوا أو ألم ينظروا في ذلك ولم يروا أنا نأتي الأرض أي أرض الكفرة ننقصها من أطرافها من جوانبها بأن نفتحها شيئا فشيئا ونلحقها بدار الاسلام ونذهب منها أهلها بالقتل والاسر والاجلاء أليس هذا مقدمة لذلك .
ومثل هذه الآية قوله تعالى : أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون وروى ذلك عن ابن عباس والحسن والضحاك وعطية والسدي وغيرهم وروى عن ابن عباس أيضا وأخرجه الحاكم عنه وصححه أن انتقاص الارض موت أشرافها وكبرائها وذهاب العلماء منها وفي رواية عن أبي هريرة يرفعه الى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الاقتصار على الاخير وروى أيضا عن مجاهد فالمراد من الارض جنسها والاطراف كما قيل بمعنى الاشراف ومجيء ذلك بهذا المعنى محكي عن ثعلب واستشهد له الواحدي بقول الفرزدق : وأسأل بنا وبكم اذا وردت مني أطراف كل قبيلة من يمنع وقريب من ذلك قول ابن الاعرابي : الطرف والطرف الرجل الكريم وقول بعضهم : طرف كل شيء خياره وجعلوا من هذا قول علي كرم الله تعالى وجهه : العلوم أودية في أي واد أخذت منها خسرت فخذوا من كل شيء طرفا قال ابن عطية : أراد كرم الله تعالى خيارا وأنت تعلم ان الأظهر جانبا وادعى الواحدي أن تفسير الآية بما تقدم هو اللائق وتعقبه الامام بأنه يمكن القول بلياقة الثاني وتقرير الآية عليه أولم يروا انا نحدث في الدنيا من الاختلافات خرابا بعد عمارة وموتا بعد حياة وذلا بعد عز ونقصا بعد كمال وهذه تغييرات مدركة بالحس فما الذي يؤمنهم أن يقلب الله تعالى الامر عنهم فيجعلهم أذلة بعد أن كانوا أعزة ومقهورين بعد أن كانوا قاهرين وهو كما ترى وقيل : نقصها هلاك من هلك من الأمم قبل قريش وخراب أرضهم أي ألم يروا هلاك من قبلهم وخراب ديارهم فكيف يأمنون من حلول ذلك بهم والأول أيضا أوفق بالمقام منه ولا يخفى مافي التعبير بالاتيان المؤذن بعظيم الاستيلاء من الفخامة كما في قوله تعالى : وقدمنا الى ما علموا من عمل فجعلناه هباء منثورا وفي الحواشي الشهابية أن المعنى يأتيها أمرنا وعذابنا وجملة ننقصها في موضع الحال من فاعل يأتي أو من مفعوله وقرأ الضحاك ننقصها مثقلا من نقص