السائر المعروف في عرف اللغة وبمعنى الصفة الغريبة وهو معنى مجازي له مأخوذ من المعنى العرفي بعلاقة الغرابة لأن المثل إنما يسر بين الناس لغرابته وأكثر المفسرين على تفسيره هنا بالصفة الغريبة وهو حينئذ مبتدأ خبره عند سيبويه محذوف أي فيما يقص ويتلى عليكم صفة الجنة التي وعد المتقون أي عن الكفر والمعاصي وقدر مقدما لطول ذيل المبتدأ ولئلا يفصل بينه وبين مايتعلق به معنى وقوله تعالى : تجري من تحتها الأنهار جملة مفسرة كخلقه من تراب في قوله سبحانه : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب أو مستأنفة استئنافا بيانيا أو حال من العائد المحذوف من الصلة أي التي وعدها وقيل : هي الخبر على طريقة قولك : شأن زيد يأتيه الناس ويعظمونه واعترض بأنه غير مستقيم معنى لأنه يقتضي أن الانهار في صفة الجنة وهي فيها لافي صفتها وفيه أيضا تأنيث الضمير العائد على مثل حملا على المعنى وقد قيل : إنه قبيح وأجيب بأن ذاك على تأويل أنها تجري فالمعنى مثل الجنة جريان الانهار أو أن الجملة في تأويل المفرد فلا يعود منها ضمير للمبتدأ أو المراد بالصفة ما يقال فيه هذا إذا وصف فلا حاجة الى الضمير كما في خبر ضمير الشأن .
وقال الطيبي : إن تأنيث الضمير لكونه راجعا إلى الجنة لا إلى المثل وإنما جاز ذلك لأن المقصود من المضاف عين المضاف اليه وذكره توطئة له وليس نحو غلام زيد وتعقب كل ذلك الشهاب بأنه كلام ساقط متعسف لأن تأويل الجملة بالمصدر من غير حرف سابك شاذ وكذا التأويل بأنه أريد بالصفة لفظها الموصوف به وليس في اللفظ مايدل عليه وهو تجوز على تجوز ولا يخفى تكلفه وقياسه على ضمير الشأن قياس مع الفارق وأما عود الضمير على المضاف اليه دون المبتدأ في مثل ذلك فأضعف من بيت العنكبوت فالحزم الاعراض عن هذا الوجه وعن الزجاج أن الخبر محذوف والجملة المذكورة صفة له والمراد مثل الجنة جنة تجري إلى آخره فيكون سبحانه قد عرفنا الجنة التي لم نرها بما شاهدناه من أمور الدنيا وعايناه وتعقبه أبو علي على مافي البحر بأنه لايصح لاعلى معنى الصفة ولا على معنى الشبه لأن الجنة التي قدرها جثة ولا تكون صفة ولأن الشبه عبارة عن المماثلة التي بين الشيئين وهو حدث فلا يجوز الاخبار عنه بالجنة الجثة ورد بأن المراد بالمثل المثيل أو الشبيه فلا غبار في الاخبار وقيل : إن التشبيه هنا تمثيلي منتزع وجهه من عدة أمور من أحوال الجنان المشاهدة من جريان أنهارها وغضارة أغصانها والتفات أفنانها ونحوه ويكون قوله تعالى : أكلها دائم وظلها بيانا لفضل تلك الجنان وتمييزها عن هذه الجنان المشاهدة وقيل : إن هذه بيان لحال جنان الدنيا على سبيل الفرض وأن فيها ذكر انتشارا واكتفاء في النظير بمجرد جريان الانهار وهو لايناسب البلاغة القرآنية وهو كما ترى .
ونقل عن الفراء أن الجملة خبر أيضا إلا أن المثل بمعنى الشبه مقحم والتقدير الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الانهار الى آخره وقد عهد اقحامه بهذا المعنى ومنه قوله تعالى : ليس كمثله شيء وتعقبه أبو حيان بأن اقحام الاسماء لايجوز ورد بأنه في كلامهم كثير كثم اسم السلام عليكما ولا صدقة إلا عن ظهر غنى الى غير ذلك والأولى بعد القيل والقال والوجه الأول فانه سالم من التكلف مع مافيه من الايجاز والاجمال والتفصيل والظاهر أن المراد من الأكل مايؤكل فيها ومعنى دوامه أنه لاينقطع أبدا وقال ابراهيم التيمي : إن لذته دائمة لاتزاد بجوع ولا تمل بشبع وهو خلاف الظاهر