ذلك لأنها حيث اقتضت تزعزع الجبال وتقطع الارض فلأن تقتضي موت الاحياء دون احياء الموات الذي يكون التكليم بعده من باب أولى وفيه نظر والباء في المواضع الثلاثة للسببية وجوز في الثالث منها أن تكون صلة ما عندها وتقديم المجرور فيها على المرفوع لقصد الابهام ثم التفسير لزيادة التقرير على ما مر غير مرة .
و أو في الموضعين لمنع الخلو لاالجمع والتذكير في كلم لتغليب المذكر من الموتى على غيره واقتراحهم وإن كان متعلقا بمجرد ظهور مثل هذه الافاعيل العجيبة على يده صلى الله عليه وسلّم لا بظهورها بواسطة القرآن لكن ذلك حيث كان مبنيا على عدم اشتماله في زعمهم على الخوارق نيط ظهورها به مبالغة في شأن اشتماله عليها وأنه حقيق بأن يكون مصدرا لكل خارق وإبانة لركاكة رأيهم في شأنه الرفيع كأن قيل : لو أن ظهور أمثال ما اقترحوه من مقتضيات الحكمة لكان مظهرها هذا القرآن الذي لم يعدوه آية وفيه من تفخيم شأنه العزيز ووصفهم بركاكة العقل لايخفى كذا حققه بعض الاجلة وهو من الحسن بمكان وعلى الثاني لو أن قرآنا فعلت به هذه الافاعيل العجيبة لما آمنوا به كقوله تعالى : ولو أنزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى الآية والكلام على ما استظهره الشهاب على التقديرين حقيقة على سبيل الفرض كقوله : ولو طار ذو حافر قبلها لطارت ولكنه لم يطر وجعله على الأول تمثيلا كالآية المذكورة هناك على ماقال لا وجه له وتمثيل الزمخشري بها لبيان أن القرآن يقتضي غاية الخشية وصنيع كثير من المحققين ظاهر في ترجيح التقدير الأول وفي الكشف لو تأملت في هذه السورة الكريمة حق التأمل وجدت بناء الكلام فيها على حقية الكتاب المجيد واشتماله على مافيه صلاح الدارين وان السعيد كل السعيد من تمسك بحبله والشقي كل الشقي من أعرض عنه الى هواه حيث قال تعالى أولا : والذي أنزل اليك من ربك الحق ثم تعجب من إنكارهم ذلك بقوله سبحانه : ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية ثم قال تعالى : له دعوة الحق فأثبت حقيته بالحجة ثم قال جل وعلا : أنزل من السماء ماء وهومثل للحق الذي هو القرآن ومن انتفع به على مافسره المحققون ثم صرح تعالى بنتيجة ذلك كله بالبرهان النير في قوله سبحانه : أفمن يعلم أنما أنزل اليك من ربك الحق كمن هو أعمى ثم أعاد جل شأنه قوله ويقول الذين كفروا دلالة على انكارهم أول ماأتاهم وبعد رصانة علمهم بحقيته فهم متمادون في الانكار ثم كر الى بيان الحقية فيما نحن فيه وبالغ المبالغة التي ليس بعدها سواء جعل داخلا في حيز القول أو جعل ابتداء كلام منه تعالى تذييلا وهو الابلغ ليكون مقصودا بذاته في الافادة المذكورة مؤكد المجموع مادل عليه قوله تعالى : وكذلك أرسلناك من تعظيم الرسول E وما أنزل عليه وشدة انكارهم وتصميمهم لاعلاوة في أن لم يبق الا التوكل والصبر على مجاهدتكم إذ لاوراء هذا القرآن حتى أجيء به لتسلموا ثم فخمه ونعى عليهم مكابرتهم بقوله تعالى وكذلك أنزلناه حكما عربيا وأيد حقية الكتاب فيمن أنزل عليه في خاتمة السورة بقوله جل وعلا : كفى بالله إلى قوله سبحانه : علم الكتاب تنبيها على أنه مع ظهور أمره في افادة الحقائق العرفانية والخلائق الايمانية لايعلم حقيقة ما فيه إلا من تفرد به وبانزاله تبارك وتعالى اه وفي سبب النزول وستعلمه قريبا إن شاء الله تعالى مايؤيد الثاني والظاهر على حققه وأشرنا اليه اولا ان الآية على الأول متعلقة بقوله تعالى : ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية وهي على الثاني متعلقة بقوله سبحانه وهم يكفرون بالرحمن بيانا لتصميمهم في كفرهم وإنكارهم الآيات ومن أتى بها لا بذلك لبعد المرمى