أوجه لرعاية التقابل ولأن المبادر إلى الفهم من الدار الدنيا بقرينة السابق ولأنها الحاضرة في أذهانهم ولما ذكر من النكتة السرية وذلك لأن ترتيب الحكم على الموصول يشعر بعلية الصلة له ولا يخفى أنه لادخل له في ذلك على أكثر التفاسير فان مجازاة السيئة بمثلها مأذون فيها ودفع الكلام السيء بالحسنى وكذا الاعطاء عند المنع والعفو عند الظلم والوصل عند القطع ليس مما يورث تركه تبعة وأما ما اعتبر اندراجه تحت الصلة الثانية من الاخلال ببعض الحقوق المندوبة فلا ضير في ذلك لأن اعتباره من حيث أنه من مستتبعات الاخلال بالعزائم كالكفر ببعض الانبياء عليهم السلام وعقوق الوالدين وترك سائر الحقوق الواجبة وقيد بالاكثر لأنه على الكثير مما ذكرناه في تفسيره المدخلية ظاهرة وقيل : إنه سلك في وصف الكفرة وذمهم وذكر مالهم من مآلهم مالم يسلك في وصف المؤمنين ومدحهم وشرح ماأعد لهم وما ينتهي اليه أمرهم فأتى في أحدهما بموصولات متعددة وصلات متنوعة إلى غير ذلك ولم يؤت بنحو ذلك في الآخر تنبيها على مزيد الاعتناء بشأن المؤمنين قولا وفعلا وعدم الاعتناء بشأن اضدادهم فانهم أنجاس يتمضمض من ذكرهم هذا مع الجزم بأن مقتضى الحال هو هذا وقيل : إن المسلكين من آثار الرحمة الواسعة فتأمل وتكرير لهم للتأكيد والايذان باختلافهما واستقلال كل منهما في الثبوت الله يبسط الرزق أي يوسعه لمن يشاء من عباده ويقدر أي يضيق وقيل : يعطي بقدر الكفاية والمراد بالرزق الدنيوي لاما يعم الاخروي لأنه على ماقيل غير مناسب للسياق وقال صاحب الكشف : إنه شامل للرزقين الحسي والمعنوي الدنيوي والاخروي وذكر في بيان ربط الآية على ذلك ما ذكر وهي كما روى عن ابن عباس نزلت في أهل مكة ثم انها وإن كانت كذلك عامة وكأنها دفع لما يتوهم من أنه كيف يكونون مع ماهم عليه من الضلال في سعة من الرزق فبين سبحانه أن سعة رزقهم ليس تكريما لهم كما أن تضييق رزق بعض المؤمنين ليس لاهانة لهم وإنما كل من الأمرين صادر منه تعالى لحكم إلهية يعلمها سبحانه وربما وسع على الكافر املاء واستدراجا له وضيق على المؤمن زيادة لأجره .
وتقديم المسند اليه في مثل هذه الآية للتقوى فقط عند السكاكي والزمخشري يرى أنه لامانع من أن يكون للتقوى والتخصيص ولذا قال : أي الله وحده هو يبسط ويقدر دون غيره سبحانه وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما ويقدر بضم الدال حيث وقع وفرحوا استئناف ناع قبح أفعالهم مع ما وسعه عليه .
والضمير قيل لأهل مكة وإن لم يسبق ذكرهم واختاره جماعة وقال أبو حيان : للذين ينتقضون وزعم بعضهم أن الجملة معطوفة على صلة الذين وفي الآية تقديم وتأخير ومحل هذا بعد يفسدون في الأرض ولا يخفى بعده للاختلاف عموما وخصوصا واستقبالا ومضيا أي فرحوا فرح أشر وبطر ولا فرح سرور بفضل الله تعالى .
بالحياة الدنيا أي بما بسط لهم فيها من النعيم لأن فرحهم ليس بنفس الدنيا فنسبة الفرح اليها مجازية أو هناك تقدير أي يبسط الحياة أو الحياة الدنيا مجاز عما فيها وما الحياة الدنيا في الآخرة أي كائنة في جنب نعيمها فالجار والمجرور في موضع الحال وليس متعلقا بالحياة ولا بالدنيا كما قال أبو البقاء لأنهما ليسا فيها .
و في هذه معناها المقايسة وهي كثيرة في الكلام كما يقال : ذنوب العبد في رحمة الله تعالى كقطرة في بحر وهي الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق وهي الظرفية المجازية لأن مايقاس بشيء يوضع بجنبه