عن فضول الدنيا وعن محمد بن النصر على الفقر والتعميم أولى وتخصيص الصبر بالذكر من بين الصلات السابقة لما أنه ملاك الامر والامر المعتني به كما علمت فنعم عقبى الدار .
42 .
- أي فنعم عاقبة الدنيا الجنة وقيل : المراد بالدار الآخرة وقال بعضهم : المراد أنهم عقبوا الجنة من جهنم قال ابن عطية : وهذا مبني على ما ورد من أن كل رجل من أهل الجنة قد كان له مقعد من النار فصرفه الله تعالى عنه إلى النعيم فيعرض عليه ويقال له : هذا مقعدك من النار قد أبدلك الله تعالى بالجنة بايمانك وصبرك وقرأ ابن يعمر فنعم بفتح النون وكسر العين وذلك هو الاصل وابن وثاب فنعم بفتح النون وسكون العين وتخفيف فعل لغة تميم وجاء فيها كما في الصحاح نعم بكسر النون واتباع العين لها وأشهر استعمالاتها ما عليه الجمهور وأخرج ابن جرير عن محمد بن إبراهيم قال : كان النبي صلى الله عليه وسلّم يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول : سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار وكذا كان يفعل أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم وتمسك بعضهم بالآية على أن أفضل من البشر فقالوا : إنه سبحانه ختم مراتب سعادات البشر بدخول الملائكة عليهم على سبيل التحية والاكرام والتعظيم والسلام فكانوا أجل مرتبة من البشر لما كان دخولهم عليهم لأجل السلام والتحية موجبا علو درجاتهم وشرف مراتبهم ولا شك أن من عاد من سفره الى بيته فاذا قيل في معرض كمال مرتبته انه يزوره الامير والوزير والقاضي والمفتي دل على أن درجة المزور أقل وأدنى من درجات الزائرين فكذا ههنا وهو من الركاكة بمكان .
ولم لايجوز أن يكون ما هنا نظير ما اذا أتى السلطان بشخص من عماله الممتازين عنده قد أطاعه في أوامره ونواهيه الى محل كرامته ثم بعد أن أنزله المنزل اللائق به أرسل خدمة اليه بالهدايا والتحف والبشارة بما يسره فهل اذا قيل : إن فلانا قد أحله السلطان محل كرامته ودار حكومته وأنزله المنزل اللائق به وأرسل خدمة اليه بما يسره كان ذلك دليلا على أن أولئك الخدم أعلى درجة منه لاأظنك تقول ذلك نعم جاء في بعض الاخبار ما يؤيده بظاهره ما تقدم فقد أخرج أحمد والبزار وابن حبان والحاكم وصححه وجماعة عن عبدالله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أول من يدخل الجنة من خلق الله تعالى فقراء المهاجرين الذين تسد بهم الثغور وتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لايستطيع لها قضاء فيقول الله تعالى لمن يشاء من ملائكته : ائتوهم فحيوهم فتقول الملائكة : ربنا نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك افتأمرنا ان نأتي هؤلاء فنسلم عليهم فيقول الله تعالى : إن هؤلاء عباد لي كانوا يعبدوني ولا يشركون بي شيئا وتسد بهم الثغور وتتقي بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لايستطيع لها قضاء فتأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ومن أنصف ظهر له أن هذا لايدل على ان الملائكة مطلقا أفضل من البشر مطلقا كما لايخفى وذكر الامام الرازي في تفسير الآية على الوجه المروي عن الاصم في تفسير دخول الملائكة من كل باب أن الملائكة طوائف منهم روحانيون ومنهم كروبيون فالعبد اذا راض نفسه بأنواع الرياضات كالصبر والشكر والمراقبة والمحاسبة ولكل مرتبة من هذه المراتب جوهر قدسي وروح علوي مختص بتلك الصفة مزيد اختصاص فعند الموت اذا أشرقت تلك الجواهر القدسية تجلت فيها من كل روح من الارواح السماوية ما يناسبها من الصفات المخصوصة فيفيض عليها من ملائكة الصبر كمالات مخصوصة نفسانية لاتظهر الا في مقام الصبر ومن ملائكة الشكر كمالات