هو نفي الاستجابة الحسنى والله تعالى قد نفى الاستجابة مطلقا ولأنه حينئذ يكون لو أن لهم الخ كلاما مفلتا أو كالمفلت إذ يصير المعنى كذلك يضرب الله الامثال للمؤمنين والكافرين لو أن لهم الخ ولو كان هناك حرف يربط لو بما قبلها زال التفلت وأيضا أنه يوهم الاشتراك في الضمير وإن كان تخصيص ذلك بالكافرين معلوما : وتعقب بأنه لاكلام في أولوية التفسير الاول لكن كون ماذكر وجها لها محل كلام اذ لا مقتضى في التفسير الثاني لتقييد الامثال عموما بمثل هذين ألا ترى قوله تعالى : كذلك ثم ان فيه تفهيم ثواب المستجيبين أيضا ألا يرى الى القصر المستفاد من تقديم الظرف وأيضا قوله تعالى : الحسنى صفة كاشفة لامفهوم لها فان الاستجابة لله تعالى لاتكون الا حسنى وكيف يكون قوله سبحانه : لو أن لهم الخ مفلتا وقد قالوا : أنه كلام مبتدأ لبيان حال المستجيبين يعنون انه استئناف بياني جواب للسؤال عن مآل حالهم ثم كيف يتوهم الاشتراك مع كون تخصيصه بالكافرين معلوما انتهى قال بعض المحققين : إن ماذكر متوجه بحسب باديء الرأي والنظرة الأولى أما اذا نظر بعين الانصاف بعد تسليم أن ذاك أولى وأقوى علم أن ما قاله أبو حيان وارد فان قوله تعالى : كذلك يقتضي أن هذا شأنه وعادته عز شأنه في ضرب الامثال فيقتضي أن ماجرت به العادة القرآنية مقيد بهؤلاء وليس كذلك وماذكره المتعقب ولو سلم فهو خلاف الظاهر وأما قوله : إن المستجيبين معلوم مما ذكره ففرق بين العلم ضمنا والعلم صراحة وأما أن الصفة مؤكدة أو لامفهوم لها فخلاف الاصل أيضا وكون الجملة غير مرتبطة بما قبلها ظاهر والسؤال عن حال أحد الفريقين مع ذكرهما بعد نقل التفسير الاخير وحمل الامثال فيه على الامثال السابقة : وأنت خبير بأن عنوان الاستجابة وعدمها لامناسبة بينه وبين مايدور عليه أمر التمثيل وأن الاستعمال المستفيض دخول اللام على من يقصد تذكيره بالمثل نعم قد يستعمل في هذا المعنى أيضا كما في قوله تعالى : ضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون ونظائره على أن بعض الامثال المضروبة لاسيما المثل الأخير الموصول بالكلام ليس مثل الفريقين بل مثل للحق والباطل ولا مساغ لجعل الفريقين مضروبا لهم أيضا بأن يجعل في حكم أن يقال : كذلك يضرب الله الامثال للناس اذ لاوجه حينئذ لتنويعهم الى المستجيبين وغير المستجيبين ويؤيد هذا ما في الكشف حيث قال : إن جعل للذين استجابوا من تتمة الامثال لامن صلة يضرب متكلف لأنهما مثلا الحق والباطل بالاصالة ومن صلة يضرب أبعد لأن الأمثال انما ضربت لمن يعقل .
ثم ان كون المراد بالأمثال الأمثال السابقة مبني على أن ماتقدم كان أمثالا والمشهور أنه مثلان نعم أخرج ابن جرير وغيره عن قتادة أنه قال في الآية : هذه ثلاثة أمثال ضربها الله تعالى في مثل واحد وبعد هذا كله لاشك في سلامة التفسير الأول من القيل والقال وانه الذي يستدعيه النظم الجليل لأن تمام حسن الفاصلة أن تكون كاسمها ولهذا انحط قول امريء القيس : ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي بصبح وما الاصباح منك بأمثل عن قول المتنبي إذا كان مدحا فالنسيب المقدم أكل فصيح قال شعرا متيم وهو الذي فهمه السلف من الآية ومن هنا كان أكثر الشيوخ يقفون على الأمثال ويتبدءون بقوله تعالى : للذين استجابوا وقال صاحب المرشد : انه وقف تام والوقف على الحسنى حسن وكذا على لافتدوا به