تعيين سبب معرفتهم اياه عليه السلام فقيل : عرفوه بروائه وشمائله وكان قد أدناهم اليه ولم يدنهم من قبل وقيل : كان يكلمهم من وراء حجاب فلما أراد التعرف اليهم رفعه فعرفوه وقيل : تبسم فعرفوه بثناياه وكانت كاللؤلؤ المنظوم وكان يضيء ما حواليه من نور تبسمه وقيل : أنه عليه السلام رفع التاج عن رأسه فنظروا الى علامة بقرنه كان ليعقوب واسحق وسارة مثلها تشبه الشامة البيضاء فعرفوه بذلك وينضم الى كل ذلك علمهم أن ما خاطبهم به لايصدر مثله إلا عن حنيف مسلم من سنخ 1 ابراهيم لا عن بعض أعزاء مصر وزعم بعضهم أنهم انما قالوا ذلك على التوهم ولم يعرفوه حتى أخبر عن نفسه قال أنا يوسف والمعول عليه ماتقدم وهذا جواب عن مساءلتهم وزاد عليه قوله : وهذا أخي أي من أبوي مبالغة في تعريف نفسه قال بعض المدققين : إنهم سألوه متعجبين عن كونه يوسف محققين لذلك مخيلين لشدة التعجب انه ليس اياه فأجابهم بما يحقق ذلك مؤكدا ولهذا لم يقل عليه السلام : بلى أو أنا هو فأعاد صريح الأسم وهذا أخي بمنزلة أنا يوسف لاشبهة فيه على أن فيه ما يبنيه عليه من قوله : قد من الله علينا وجوز الطيبي أن يكون ذلك جاريا على الاسلوب الحكيم كأنهم لما سألوه متعجبين أنت يوسف أجاب لاتسألوا عن ذلك فانه ظاهر ولكن اسألوا ما فعل الله تعالى بك من الامتنان والاعزاز وكذلك بأخي وليس من ذلك في شيء كما لايخفى وفي ارشاد العقل السليم ان في زيادة الجواب مبالغة وتفخيما لشأن الاخ وتكملة لما أفاده قوله : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه حسبما يفيده قد من الخ فكأنه قال : هل علمتم ما فعلتم بنا من التفريق والاذلال فأنا يوسف وهذا أخي قد من الله تعالى علينا بالخلاص عما ابتليناه والاجتماع بعد الفرقة والعزة بعد الذلة والانس بعد الوحشة ولا يبعد أن يكون فيه اشارة الى الجواب عن طلبهم لرد بنيامين بأنه أخي لاأخوكم فلا وجه لطلبكم انتهى وفيه مافيه وجملة قد من الخ عند أبي البقاء مستأنفة وقيل : حال من يوسف و أخي وتعقب بأن فيه بعدا لعدم العامل في الحال حينئذ ولا يصح أن يكون هذا لأنه اشارة الى واحد وعلينا راجع اليهما جميعا إنه أي الشأن من يتق أي يفعل التقوى في جميع أحواله أو يق نفسه عما يوجب سخط الله تعالى وعذابه ويصبر على البلايا والمحن أو على مشقة الطاعات أو عن المعاصي التي تستلذها النفس فان الله لايضيع أجر المحسنين .
9 .
- 2 أي أجرهم وإنما وضع المظهر موضع المضمر تنبيها على أن المنعوتين بالتقوى والصبر موصوفون بالاحسان والجملة في موضع العلة للمن واختار أبو حيان عدم التخصيص في التقوى والصبر وقال مجاهد المراد من يتق في ترك المعصية ويصبر في السجن والنخعي من يتق الزنا ويصبر على العزوبة وقيل : من يتق المعاصي ويصبر على أذى الناس وقال الزمخشري : المراد من يخف الله تعالى ويصبر عن المعاصي وعلى الطاعات وتعقبه صاحب الفرائد بأن فيه حمل من يتق على المجاز ولا مانع من الحمل على الحقيقة والعدول عن ذلك الى المجاز من غير ضرورة غير جائز فالوجه أن يقال : من يتق من يحترز عن ترك ماأمر به وارتكاب مانهى عنه ويصبر في