بالكفالة بسبب وجوب المال وهو المجيء بصواع الملك وندائه بأمر يوسف عليه السلام وشرع من قبلنا شرع لنا إذا مضى من غير إنكار وأورد عليه أمران الأول ماقاله بعض الشافعية من أن هذه الآية محمولة على الجعالة لما يأتي به لا لبيان الكفالة فهي كقول من أبق عبده من جاء به فله عشرة دراهم وهو ليس بكفالة لأنها إنما تكون إذا التزم عن غيره وهنا قد التزم عن نفسه الثاني أن الآية متروكة الظاهر لأن فيها جهالة المكفول له وهي تبطل الكفالة وأجيب عن الأول بأن الزعم حقيقة في الكفالة والعمل بها مهما أمكن واجب فكأن معناه قول المنادي للغير : إن الملك قال : لمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم فيكون ضامنا عن الملك لا عن نفسه فتتحقق حقيقة الكفالة وعن الثاني بأن في الآية ذكر أمرين الكفالة مع الحمالة للمكفول له وإضافتها إلى سبب الوجوب وعدم جواز أحدهما بدليل لايستلزم عدم جواز الآخر .
وفي كتاب الأحكام أنه روى عن عطاء الخراساني زعيم بمعنى كفيل فظن بعض الناس أن ذلك كفالة إنسان وليس كذلك لأن قائله جعل حمل بعير أجرة لمن جاء بالصاع وأكده بقوله : وأنا به زعيم أي ضامن فألزم نفسه ضمان الأجرة لرد الصاع وهذا أصل في جواز قول القائل : من حمل هذا المتاع لموضع كذا فله درهم وأنه إجارة جائزة إن لم يشارط رجلا بعينه وكذا قال محمد بن الحسن في السير الكبير : ولعل حمل البعير كان قدرا معلوما فلا يقال : إن الاجارة لاتصح إلا بأجر معلوم كذا ذكره بعض المحققين .
وقال الامام : إن الآية تدل على أن الكفالة كانت صحيحة في شرعهم وقد حكم بها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في قوله الزعيم غارم وليست كفالة بشيء مجهول لأن حمل بعير من الطعام كان معلوما عندهم فصحت الكفالة به إلا أن هذه كفالة مال لرد السرقة وهي كفالة لما لم يجب لأنه لايحل للسارق أن يأخذ شيئا على رد السرقة .
ولعل مثل هذه الكفالة كانت تصح عندهم وتعقب بأنه لادليل على أن الراد هو من علم أنه الذي سرق ليحتاج إلى التزام القول بصحة ذلك في دينهم وتمام البحث في محله قالوا تالله أكثر النحويين على أن التاء بدل من الواو كما أبدلت في تراث وتوراة عند البصريين وقيل هي بدل من الباء وقال السهيلي : إنها أصل برأسها وقال الزجاج : إنها لايقسم بها إلا في الله خاصة وتعقب بالمنع لدخولها على الرب مطلقا أو مضافا للكعبة وعلى الرحمن 1 وقالوا تحياتك أيضا وأياما كان ففي القسم بها معنى التعجب كأنهم تعجبوا من رميهم بما ذكر مع ما شاهدوه من حالهم فقد روى أنهم كانوا يعكمون 2 أفواه إبلهم لئلا تنال من زروع الناس وطعامهم شيئا واشتهر أمرهم في مصر بالعفة والصلاح والمثابرة على فنون الطاعات ولذا قالوا : لقد علمتم علما جاز ما مطابقا للواقع ما جئنا لنفسد في الأرض أي لنسرق فان السرقة من أعظم أنواع الافساد أو لنفسد فيها أي إفساد كان فضلا عما نسبتمونا اليه من السرقة ونفي المجيء للإفساد وإن لم يكن مستلزما لما هو مقتضى المقام من نفي الافساد مطلقا لكنهم جعلوا المجيء الذي يترتب عليه ذلك ولو بطريق الاتفاق مجيئا لغرض الافساد مفعولا لأجله ادعاء إظهارا لكمال قبحه عندهم وتربية لاستحالة