القدرة وعلى الثاني هي تحقيق للوفاء بالوعد وليس فيه مايدل على أن الموعود يحصل أولا .
وقال يوسف عليه السلام لفتيانه لغلمانه الكيالين كما قال قتادة وغيره أو لأعوانه الموظفين لخدمته كما قيل وهو جمع فتى أو اسم جمع له على قول وليس بشيء وقرأ أكثر السبعة لفتيه وهو جمع قلة له ورجحت القراءة الاولى بأنها أوفق بقوله : اجعلوا بضاعتهم في رحالهم فان الرحال فيه جمع كثرة ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي انقسام الآحاد على الآحاد فينبغي أن يكون في مقابلة صيغة جمع الكثرة وعلى القراءة الاخرى يستعار أحد الجمعين للآخر روى أنه عليه السلام وكل بكل رحل رجلا يعني فيه بضاعتهم التي اشتروا بها الطعام وكانت نهالا وادما وأصل البضاعة قطعة وافرة من المال تقتنى للتجارة والمراد بها هنا ثمن ما اشتروه .
والرحل ما على ظهر المركوب من متاع الراكب وغيره كما في البحر وقال الراغب : هو ما يوضع على البعير للركوب ثم يعبر به تارة عن البعير وأخرى عما يجلس عليه في المنزل ويجمع في القلة على أرحلة والظاهر أن هذا الامر كان بعد تجهيزهم وقيل : قبلة ففيه تقديم وتأخير ولا حاجة اليه وإنما فعل عليه السلام ذلك تفضلا عليهم وخوفا أن لايكون عند أبيه ما يرجعون به مرة أخرى وكل ذلك لتحقيق ما يتوخاه من رجوعهم بأخيهم كما يؤذن به قوله : لعلهم يعرفونها أي يعرفون حق ردها والتكرم بذلك فلعل على ظاهرها وفي الكلام مضاف مقدر ويحتمل أن يكون المعنى لكي يعرفوها فلا يحتاج إلى تقدير وهو ظاهر التعلق بقوله : إذا انقلبوا أي رجعوا إلى أهلهم فان معرفتهم لها مقيدة بالرجوع وتفريغ الاوعية قطعا وأما معرفة حق التكرم في ردها وإن كانت في ذاتها غير مقيدة بذلك لكن لما كان ابتداؤها حينئذ قيدت به لعلهم يرجعون .
26 .
- حسبما طلبت منهم فان التفضل باعطاء البدلين ولا سيما عند أعواز البضاعة من أقوى الدواعي إلى الرجوع وقيل : إنما فعله عليه السلام لما أنه لم ير من الكرم أن يأخذ من أبيه واخوته ثمنا وهو الكريم ابن الكريم وهو كلام حق في نفسه ولكن يأباه التعليل المذكور ومثله في هذا مازعمه ابن عطية من وجوب صلتهم وجبرهم عليه عليه السلام في تلك الشدة إذ هو ملك عادل وهم أهل إيمان ونبوة وأغرب منه ماقيل : إنه عليه السلام فعل ذلك توطئة لجعل السقاية في رحل أخيه بعد ذلك ليتبين أنه لم يسرق لمن يتأمل القصة ووجه بعضهم عليه الجعل المذكور للرجوع بأن ديانتهم تحملهم على رد البضاعة لاحتمال أنه لم يقع ذلك قصدا أو قصدا للتجربة فيرجعون على هذا أما لازم وإما متعد والمعنى يرجعونها أي يردونها وفيه أن هيئة التعبية تنادى بأن ذلك بطريق التفضل فاحتمال غيره في غاية البعد ألا ترى أنهم كيف جزموا بذلك حين رأوها وجعلوا ذلك دليلا على التفضلات السابقة كما ستحيط به خبرا إن شاء الله تعالى .
فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا ياأبانا منع منا الكيل أي حكم بمنعه بعد اليوم أن لم نذهب بأخينا بنيامين حيث قال لنا الملك إن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي والتعبير بذلك عما ذكر مجاز والداعي لارتكابه أنه لم يقع منع ماض وفيه دليل على كون الامتياز مرة بعد أخرى كان معهودا بينهم وبينه عليه السلام وقيل : ان الفعل على حقيقته والمراد منع أن يكال لأخيهم الغائب حملا آخر ورد بعيره غير محمل بناء على رواية أنه عليه السلام لم يعط له وسقا فأرسل معنا أخانا بنيامين الى مصر وفيه إيذان بأن مدار المنع على عدم