بسم الله الرحمن الرحيم وما أبرئ نفسي أي لاأنزهها عن السوء قال ذلك عليه السلام : هضما لنفسه البرية عن كل سوء وتواضعا لله تعالى وتحاشيا عن التزكية والاعجاب بحالها على أسلوب قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : أنا سيد ولد آدم ولا فخر 1 أو تحديثا بنعمة الله تعالى وابرازا لسره المكنون في شأن أفعال العباد أي لاأنزهها من حيث هي هي ولا أسند هذه الفضيلة اليها بمقتضى طبعها من غير توفيق من الله سبحانه بل إنما ذلك بتوفيقه جل شأنه ورحمته وقيل : إنه أشار بذلك إلى أن عدم التعرض لم يكن لعدم الميل الطبيعي بل لخوف الله تعالى إن النفس البشرية التي من جملتها نفسي في حد ذاتها لأمارة لكثيرة الأمر بالسوء أي بجنسه والمراد أنها كثيرة الميل الى الشهوات مستعملة في تحصيلها القوى والآلات وفي كثير من التفاسير أنه عليه السلام حين قال : ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال له جبريل عليه السلام : ولا حين هممت فقال : وما أبرئ نفسي الخ وقد أخرجه الحاكم في تاريخه وابن مردويه بلفظ قريب من هذا عن أنس مرفوعا وروى ذلك عن ابن عباس وحكيم بن جابر والحسن وغيرهم وهو إن صح يحمل الهم فيه على الميل الصادر عن طريق الشهوة البشرية لا عن طريق العزم والقصد وقيل : لا مانع من أن يحمل على الثاني ويقال : إنه صغيرة وهي تجوز على الأنبياء عليهم السلام قبل النبوة ويلتزم أنه عليه السلام لم يكن إذ ذاك نبيا والزمخشري جعل ذلك وماأشبهه من تلفيق المبطلة وبهتهم على الله تعالى ورسوله وارتضاه وهو الحري بذلك ابن المنير وعرض بالمعتزلة بقوله : وذلك شأن المبطلة من كل طائفة إلا مارحم ربي قال ابن عطية : الجمهور على أن الاستثناء منقطع و ما مصدرية أي لكن رحمة ربي هي التي تصرف عنها السوء على حد ما جوز في قوله سبحانه : ولا هم ينقذون إلا رحمة منا وجوز أن يكون استثناء من أعم الأوقات و ما مصدرية ظرفية زمانية أي هي أمارة بالسوء في كل وقت إلا في وقت رحمة ربي وعصمته والنصب على الظرفية لا على الاستثناء كما توهم لكن فيه التفريغ في الاثبات والجمهور على أنه لايجوز إلا بعد النفي أو شبهه نعم أجازه بعضهم في الاثبات ان استقام المعنى كقرأت الا يوم الجمعة وأورد على هذا بأنه يلزم عليه كون نفس يوسف وغيره من الأنبياء عليهم السلام مائلة إلى الشهوات في أكثر الأوقات إلا أن يحمل ذلك على ماقبل النبوة بناءا على جواز ماذكر قبلها أو يراد جنس النفس لاكل واحدة .
وتعقب بأن الأخير غير ظاهر لأن الاستثناء معيار العموم ولا يرد ماذكر رأسا لأن المراد هضم النوع البشري اعترافا بالعجز لولا العصمة على أن وقت الرحمة قد يعم العمر كله لبعضهم أه ولعل الأولى الاقتصار على ما في حيز العلاوة فتأمل وأن يكون استثناء من النفس أو من الضمير المستتر في أمارة الراجع إليها