من كرم حسنة لها ثلاثة أغصان فيها عناقيد عنب فكنت أعصرها وأسقي الملك وسماه بما يؤول إليه لأن الخمر مما لا يعصر إذ عصر الشيء إخراج ما فيه من المائع بقوة وكون العنب يؤول إلى الخمر وكون الذي يؤول إليه ماؤه لاجرمه لا يضر لأنه المقصود منه فما عداه غير منظور إليه فليس فيه تجوزان بالنظر إلى المتعارف فيه وقيل : الخمر بلغة غسان اسم للعنب وقيل : في لغة أذرعان وقرأ أبي وعبد الله أعصر عنبا قال في البحر : وينبغي أن يحمل ذلك على التفسير لمخالفته لسواد المصحف والثابت عنهما بالتواتر قراءتهما أعصر خمرا انتهى وقد أخرج القراءة كذلك الثاني البخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردوية من طرق وذكروا أنه قال : والله لقد أخذتها من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هكذا فافهم .
وقال ابن عطية : يجوز أن يكون وصف الخمر بأنها معصورة لأن العصر من أجلها فليس ذلك من مجاز الأول والمشهور أنه منه كما قال الفراء : مؤنثة وربما بما ذكرت وعن السجستاني أنه سمع التذكير ممن يوثق به من الفصحاء ورأى الحلمية جرى مجرى أفعال القلوب في جواب كون فاعلها ومفعولها ضميرين متحدي المعنى ولا يجوز ذلك في غير ما ذكر فلا يقال : اضربني ولا أكرمني وحاصله أرى نفسي أعصر خمرا وقال الأخر وهو الخباز واشمه مجلث إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا وفي مصحف ابن مسعود ثريدا .
تأكل الطير منه وهذا كما قيل أيضا : تفسير لا قراءة روي أنه قال : رأيت أني أخرج من مطبخة الملك وعلى رأسي ثلاث سلاسل فيها خبز والطير وتأكل من أعلاه والخبز معروف وجمعه أخباز وهو مفعول أحمل والظرف متعلق بأحمل وتأخيره عنه لما مر وقيل : متعلق بمحذوف وقع حالا منه وجملة تأكل الخ صفة له أو استئناف مبني على السؤال نبئنا أي أخبرنا بتأويله بتعبيره وما يؤول إليه أمره والضمير للرؤيتين بتأويل ما ذكر أو ما رؤي وقد أجرى الضمير مجرى ذلك بطريق الإستعارة فإن اسم الإشارة يشار به إلى متعدد كما مرت الإشارة إليه غير مرة هذا إذا قالاه معا أو قاله أحدهما من جهتها معا وأما إذا قاله كل منهما إثر ما قص ما رآه فالمرجع غير متعدد ولا يمنع من هذا الإحتمال صيغة المتكلم مع الغير لاحتمال أن تكون واقعة في الحكاية دون المحكي على طريقة قوله تعالى : يا أيها الرسل كلوا من الطيبات فإنهم لم يخاطبوا دفعة بل خوطب كل واحد في زمان بصيغة مفردة خاصة به إنا نراك تعليل لعرض رؤياهما عليه واستفسارهما منه عليه السلام أي إنا نعتقدك من المحسنين .
36 .
- أي من الذين يحسنون تأويل الرؤيا لما رأياه يقص عليه بعض أهل السجن رؤياه فيؤولها تأويلا حسنا وكان عليه السلام حين دخل السجن قد قال : إني أعبر الرؤيا وأجيد