حيث كان عند تناهي أيام البلاء صح أن يعد إيتاءه من جملة الجزاء وأما رؤيا صاحبي السجن فقد لبث عليه السلام بعد تعبيرها في السجن بضع سنين وفي تعليق الجزاء المذكور بالمحسنين إشعار بعلية الإحسان له وتنبيه على أنه تعالى إنما آتاه ما آتاه لكونه محسنا في أعماله متقنا في عنفوان أمره ومن هنا قال الحسن : من أحسن عبادة الله سبحانه في شبيبته آتاه الله تعالى الحكمة في اكتهاله واستشكل ما أفاده تعليق الحكم بالمشتق من العلية على تقدير أن يراد من الحكمة العلم المؤيد بالعمل مثلا بأن إحسان العمل لا يكون إلا بعد العلم به فلو كان العلم المؤيد به مثلا علة للإحسان بذلك لزم الدور .
وأجيب بأن إحسان العمل يمكن أن يكون بطريق آخر كالتقليد والتوفيق الإلهي فيكون سببا للعلم به عن دليل عقلي أو سمعي أو المراد الأعمال الغير المتوقفة على السمع فيكون ذلك السبب للعلم بما شرع له من الأعمال وقال بعض المحققين : الظاهر تغاير العلمين كما في الأثر من عمل بما علم يسر الله تعالى له ما لم يعلم وعن الضحاك تفسير المحسنين بالصابرين على النوائب وراودته التي هو في بيتها رجوع إلى شرح ما جرى عليه عليه السلام في منزل العزيز بعد ما أمر امرأته بإكرام مثواه وقوله سبحانه : وكذلك مكنا ليوسف إلى هنا اعتراض جيء به أنموذجا للقصة ليعلم السامع من أول الأمر أن ما لقيه عليه السلام من الفتن التي ستحكى بتفاصيلها له غاية جميلة وعاقبة حميدة وأنه عليه السلام محسن في أعماله لم يصدر عنه ما يخل بنزاهته والمراودة المطالبة برفق من راد يرود إذا ذهب وجاء لطلب شيء ومنه الرائد لطالب الكلأ والماء وباعتبار الرفق قيل : رادت الإبل في مشيتها ترود رودانا ومنه بنى المرود ويقال : أورد يورد إذا رفق ومنه بني رويد والإرادة منقولة من راد يرود إذا سعى في طلب شيء وهي مفاعلة من واحد نحو مطالبة الدائن ومماطلة المديون ومداواة الطبيب وغير ذلك مما يكون من أحد الجانبين الفعل ومن الآخر سببه فإن هذه الأفعال وإن كانت صادرة عن أحد الجانبين لكن لما كانت أسبابها صادرة عن الجانب الآخر جعلت كأنها صادرة عنهما قال شيخ الإسلام : وهذا باب لطيف المسك مبني على اعتبار دقيق تحقيقه أن سبب الشيء يقوم مقامه ويطلق عليه اسمه كما في قولهم : كما تدين تدان أي كما تجزي تجزى فإن فعل الباديء وإن لم يكن جزاء لكنه لكونه سببا للجزاء أطلق عليه اسمه وكذلك إرادة القيام إلى الصلاة وإرادة قراءة القرآن حيث كانتا سببا للقيام والقراءة عير عنهما بمها فقيل : إذا قمتم إلى الصلاة فإذا قرأت القرآن وهذه قاعدة مطردة مستمرة ولما كانت أسباب الأفعال المذكورة فيما نحن فيه صادرة عن الجانب المقابل لجانب فاعلها فإن مطالبة الدائن للمماطلة التي هي من جانب الغريم وهي منه للمطالبة التي من جانب الدائن وكذا مداواة الطبيب للمرض الذي هو من جانب المريض وكذلك مراودتها فيما نحن فيه لجمال يوسف عليه السلام نزل صدورها عن محالها بمنزلة صدور مسبباتها التي هي تلك الأفعال فبني الصيغة على ذلك وروي عن جانب الحقيقة بأن أسند الفعل إلى الفاعل وأوقع على صاحب السبب فتأمل أه .
وكأنه أشار بالأمر بالتأمل إلى ما فيه مما لا يخفى على ذويه وفي الكشف المراودة منازعة في الرود بأن يكون مقصد مجيئا وذهابا وللفاعل مقصد آخر يقابله فيهما ومعنى المفاعلة ههنا إما المبالغة في رودها أو الدلالة على اختلافهما فيه فإنها طلبت منه العمل وهو طلب منها الترك وهذا أبلغ ولما كان منازعة جيء بعن في قوله