في الحكم والتسجيل عليهم بالظلم وللإشعار بعلية ذلك لما حاق بهم من العذاب .
وفي الكشاف ما يقتضي ظاهره بأن العطف على نهوا الواقع خير لكن فيلزم أن يكون المعطوف خبرا أيضا مع خلوه عن الرابط وأجيب تارة بأنه في تأويل سائرهم أو مقابلوهم وأخرى بأن نهوا جملة مستأنفة استؤنفت بعد إعتبار الخبر فعطف عليها وفي ذلك ما فيه وقوله تعالى : وكانوا مجرمين عطف على اتبع الذين إلخ مع المغايرة بينهما وجوز أن يكون العطف تفسيرا على معنى وكانوا مجرمين بذلك الإتباع وفيه بعد وأن يكون على أترفوا على معنى إتبعوا الإتراف وكونهم مجرمين لأن تابع الشهوات مغمور بالآثام أو أريد بالإجرام إغفالهم للشكر وتعقبه صاحب التقريب بقوله : وفيه نظر لأن ما في ما أترفوا موصولة لا مصدرية لعود الضمير من فيه إليه فكيف يقدر كانوا مصدرا إلا أن يقال : يرجع الضمير إلى الظلم بدلالة ظلموا فتكون ما مصدرية وأن تكون الجملة إعتراضا بناءا على أنه قد يكون في آخر الكلام عند أهل المعاني .
وقرأ أبو جعفر والعلاء بن سيابة وأبو عمرو وفي رواية الجعفي وأتبع بضم الهمزة المقطوعة وسكون التاء وكسر الباء على البناء للمفعول من الإتباع قيل : ولا بد حينئذ من تقدير مضاف أي إتبعوا جزاء ما أترفوا و ما إما مصدرية أو موصولة والواو للحال وجعلها بعضهم للعطف على لم ينهوا المقدر والمعنى على الأول إلا قليلا نجيناهم وقد هلك سائرهم وأما قوله سبحانه : وكانوا مجرمين فقد قالوا : إنه لا يحسن جعله قيدا للإنجاء إلا من حيث أنه يجري مجرى العلة لإهلاك السائر فيكون إعتراضا أو حالا من الذين ظلموا والحال الأول من مفعول أنجينا المقدر وجوز أن يفسر بذلك القراءة المشهورة وتقدم الإنجاء للناهين يناسب أن يبين هلاك الذين لم ينهوا والواو للحال أيضا في القول الشائع كأنه قيل : أنجينا القليل وقد إتبع الذين ظلموا أجزاءهم فهلكوا وإذا فسرت المشهورة بذلك فقيل : فاعل اتبع ما اترفوا أو الكلام على القلب فتدبر وما كان ربك ليهلك القرى أي ما صح وما استقام بل إستحال في الحكمة أن يهلك القرى التي أهلكها وبلغتك أنباؤها أو ما يعمها وغيرها من القرى الظالم أهلها واللام في مثل ذلك زائدة لتأكيد النفي عند الكوفية وعند البصرية متعلقة بمحذوف توجه إليه النفي وقوله سبحانه : بظلم أي ملتبسا به قيل : هو حال من الفاعل أي ظالما لها والتنكير للتفخيم والإيذان بأن إهلاك المصلحين ظلم عظيم والمراد تنزيه الله تعالى عن ذلك على أبلغ وجه وإلا فلا ظلم منه تعالى فيما يفعله بعباده كائنا ما كان لما علم من قاعدة أهل السنة وقوله جل وعلا : وأهلها مصلحون .
117 .
- حال من المفعول والعامل فيه عامله ولكن لا باعتبار تقييده بالحال السابقة لادلالته على تقييد نفي الإهلاك ظلما بحال كون أهلها مصلحين وفيه من الفساد على ما قيل ما فيه بل مطلقا عن ذلك وهذا ما اختاره ابن عطية ونقل الطبري أن المراد بالظلم الشرك والباء للسببية أي لا يهلك القرى بسبب إشراك أهلها وهم مصلحون في أعمالهم يتعاطون الحق فيما بينهم بل لا بد في إهلاكهم من أن يمضوا إلى شركهم فسادا وتباغيا وذلك لفرط رحمته ومسامحته في حقوقه سبحانه ومن ذلك قدم الفقهاء عند تزاحم الحقوق حقوق العباد في الجملة ما لم يمنع منه مانع .
قال ابن عطية : وهذا ضعيف وكأنه ذهب قائله إلى ما قيل : الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم والجور ولعل وجه ضعفه ما ذكره بعض المحققين من أن مقام النهي عن المنكرات التي أقبحها الإشراك بالله تعالى لا يلائمه فإن الشرك داخل في الفساد في الأرض دخولا أوليا ولذلك كان ينهى كل من الرسل عليهم السلام أمته عنه