ومع ذلك فجميع الصغائر مكفرة بنص الشارع وإن لم يتب على ما سمعت من الخلاف وتحقيق ذلك أن التوبة واجبة في نفسها على الفور ومن أخرها تكرر عصيانه بتكرر الأزمنة كما صرح به الشيخ عزالدين بن عبد السلام ولا يلزم من تكفير الله تعالى ذنوب عبده سقوط التكليف بالتوبة التي كلف بها تكليفا مستمرا وقريب من هذا إرتفاع الإثم عن النائم إذا أخرج الصلاة عن وقتها مع الأمر بقضائها وما روي من حديث أبي هريرة إنما ورد في أمر خاص فلا يتعداه إذ الأصل بقاء ما عداه على عمومه وهذا مما لا مجال للقياس فيه حتى يخص بالقياس على ذلك فلا يليق نسبة ذلك القائل إلى الجهل والرجاء بالله تعالى شأنه قوي كذا قيل وفي المقام بعد أبحاث تركنا ذكرها خوف الإملال فإن أردتها فعليك بالنظر في الكتب المفصلة في علم الحديث .
ذلك ذكرى للذاكرين .
114 .
- أي عظة للمتعظين وخصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بها والإشارة إلى ما تقدم من الوصية بالإستقامة والنهي عن الطغيان والركون إلى الذين ظلموا وإقامة الصلوات في تلك الأوقات بتأويل المذكور وإلى هذا ذهب الزمخشري واستظهر أبو حيان كون ذلك إشارة إلى إقامة الصلاة وأمر التذكير سهل وقيل : هي إشارة إلى الإخبار بأن الحسنات يذهبن السيآت وقال الطبري : إشارة إلى الأوامر والنواهي في هذه السورة وقيل : إلى القرآن وبعض من جعل الإشارة إلى الإقامة فسر الذكرى بالتوبة واصبر أي على مشاق إمتثال ما كلفت به في الكشاف إن هذا كرور منه تعالى إلى التذكير بالصبر بعد ما جاء بما هو خاتمة للتذكير لفضل خصوصية ومزية وتنبيه على مكان الصبر ومحله كأنه قال : وعليك بما هو أهم مما ذكرت به وأحق بالتوصية وهو الصبر على إمتثال ما أمرت به والإنتهاء عما نهيت عنه فلا يتم شيء منه إلا به إنتهى .
ووجه كونه كريرا إلى ما ذكر بأن الأمر بالإستقامة أمر بالثبات قولا وفعلا وعقدا وهو الصبر على طاعة الله تعالى ويتضمن الصبر عن معصيته ضرورة على أن ما ذكره سبحانه كله لا يتم إلا بالصبر ففي ضمن الأمر به أمر بالصبر واعترض إعتبار الإنتهاء عما نهي عنه من متعلقات الصبر إذ لا مشقة في ذلك واعتذر عن ذلك بأنه يمكن أن يراد بما نهى عنه من الطغيان والركون ما لا يمكن عادة خلو البشر عنه من أدنى ميل بحكم الطبيعة من الإستقامة المأمور بها ومن يسير ميل بحكم البشرية إلى من وجد منه ظلم فإن في الإحتراز عن أمثاله من المشقة ما لا يخفى وتعقب بأن ما هو من توابع الطبيعة لا يكون من متعلقات النهي ولهذا ذكروا أن حب المسلم لولده الكافر مثلا لا إثم فيه فالأولى أن يقال : إن وجود المشقة في إمتثال مجموع ما كلف به يكفي في الغرض وقيل : المراد من الصبر المأمور به المداومة على الصبر كأنه قيل : أقم الصلاة أي أدها تامة وداوم عليها نظير قوله تعالى : وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها فإن الله لا يضيع أجر المحسنين .
115 .
- أي يوفيهم ثواب أعمالهم من غير بخس أصلا وعبر عن ذلك بنفي الإضاعة بيانا لكمال نزاهته تعالى عن حرمانهم شيئا من ثوابهم وعدل عن الضمير ليكون كالبرهان على المقصود مع إفادة فائدة عامة لكل من يتصف بذلك وهو تعليل للأمر بالصبر وفيه إيماء إلى أن الصبر على ما ذكر من باب الإحسان وعن مقاتل أنه فسر الإحسان هنا بالإخلاص .
وعن ابن عباس أنه قال : المحسنون المصلون وكأنه نظر إلى سياق الكلام هذا ومن البلاغة القرآنية أن الأوامر بأفعال الخير أفردت للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وإن كانت عامة في المعنى والمناهي جمعت للأمة وما أعظم شأن الرسول E عند ربه جل وعلا فلولا كان تحضيض فيه معنى التفجع مجازا أي فهلا