أيضا لإظهار بطلانهم كما في قول الكفرة : والله ربنا وما كنا مشركين ونظائره والقول بأن هذا ليس من قبيل الأعذار وإنما هو إسناد الذنب إلى كبرائهم وأنهم أضلوهم ليس بشيء كما لا يخفى وفي الدرر والغرر للسيد المرتضى أن بين قوله سبحانه : يوم يأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه وقوله سبحانه : هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتدرون وكذا قوله جل وعلا : وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون إختلافا بحسب الظاهر وأجاب قوم من المفسرين عن ذلك بأن يوم القيامة يوم طويل ممتد فيجوز أن يمنعوا النطق في بعضه ويؤذن لهم في بعض آخر منه ويضعف هذا الجواب أن الإشارة إلى يوم القيامة بطوله فكيف يجوز أن تكون الآيات فيه مختلفة وعلى ما ذكروه يكون معنى هذا يوم لا ينطقون هذا يوم لا ينطقون في بعضه وهو خلاف الظاهر والجواب السديد عن ذلك أن يقال : إنما أريد نفي النطق المسموع المقبول الذي ينتفعون به ويكون لهم في مثله إقامة حجة وخلاص لا نفي النطق مطلقا بحيث يعم ما ليس له هذه الحالة ويجري هذا المجرى قولهم : خرس فلان عن حجته وحضرنا فلانا يناظر فلانا فلم نره قال شيئا وإن كان الذي وصف بالخرس والذي نفى عنه القول قد تكلم بكلام كثير إلا أنه من حيث لم يكن فيه حجة ولم يتضمن منفعة جاز إطلاق ما حكيناه عليه ومثله قول الشاعر : أعمى إذا ما جارتي خرجت حتى يواري جارتي الخدر ويصم عما كان بينهما سمعي وما بي غيره وقر وعلى هذا فلا إختلاف لأن التساؤل والتلاوم مثلا لاحجة فيه وأما قوله سبحانه : ولا يؤذن لهم فيعتذرون فقد قيل فيه : إنهم غير مأمورين بالإعتذار فكيف يعتذرون ويحمل الإذن على الأمر وإنما لم يؤمروا به لأن تلك الحالة لا تكليف فيها والعباد ملجأون عند مشاهدة الأهوال إلى الإعتراف والإقرار وأحسن من هذا أن يحمل يؤذن لهم أنه لا يسمع لهم ولا يقبل عذرهم إنتهى .
وأنت تعلم أن تضعيفه لما أجاب به القوم من إمتداد يوم القيامة وجواز كون المنع من النطق في بعض منه والإذن في بعض آخر ليس بمرتضى عند ذي الفكر الرضي لظهور صحة وقوع الزمان الممتد ظرفا للنقيضين فما إذا لم يقتض كل منهما أو أحدهما جميع ذلك الزمان وقد شاع دفع التناقض بين الكلامين بمثل ما فعلوا ومرجعه إلى القول باختلاف الزمان كما أن مرجع ما روي عن الحسن إلى القول باختلاف المكان واتحاد الزمان والمكان من شروط تناقض القضيتين وليس هذا الذي فعلوه بأبعد مما فعله المرتضى على أن في كلامه بعد ما لا يخفى .
وقال بعض الفضلاء : لا منافاة بين هذه الآية والآيات التي تدل على التكلم يوم القيامة لأن المراد من يوم يأتي حين يأتي والقضية المشتملة على ذلك وقتية حكم فيها بسلب المحمول عن جميع أفراد الموضوع في وقت معين وهذا لا ينافي ثبوت المحمول للموضوع في غير ذلك الوقت وقال ابن عطية : لا بد من أحد أمرين : إما أن يقال : إن ما جاء في الآيات من التلاوم والتساؤل والتجادل ونحو ذلك مما هو صريح في التكلم كان عن إذن وإما أن يحمل التكلم هنا على تكلم شفاعة وإقامة حجة وكلا القولين كما ترى والإستثناء قيل : من أعم الأسباب أي لا تكلم نفس بسبب من الأسباب إلا بسبب إذنه تعالى وهو متصل وجوز أن يكون منقطعا ويقدر ما لا يتناول المستثنى أي لا تكلم نفس باقتدار من عندها إلا بإذنه تعالى ولا يخفى أن هذا إستثناء مفرغ وقد طرد سمعك ما هو الأصح فيه وقريء كما في المصاحف لابن الأنبار يوم يأتون لا تكلم دابة إلا بإذنه فمنهم أي