وأوحى بها إلى موسى عليه السلام في حياة فرعون وكان يأمر بها قومه ويبلغها إلى فرعون وملائه ويؤيده ما قيل : إن بعض الألواح كان منزلا قبل نزول التوراة بتمامها وكانت تلك الألواح من خشب والألواح التي كانت فيها التوراة بتمامها كانت من زمرد أو من ياقوت أحمر أو من صخرة صماء انتهى ولا يخفى أن الذهاب إلى كون الحال مقدرة مما لا يكاد يقبله الذوق السليم وما حكى من إعطاء التوراة مجموعا كان بعد والإيحاء بها كان قبل الخ مما لا مستند له من الأخبار الصحيحة وما ذكر أولا من حديث التعلق بالمطلق وثانيا من حمل الملأ على ما يشمل بني إسرائيل الخ مما ينبغي أن ينزه ساحة التنزيل عنه وكيف يحمل الملأ على ما يشمل بني إسرائيل مع الإضافة إليه وجعلهم من أهل النار ولا أظنك في مرية من القول بعدم صحة ذلك وقيل : لو جعل إلى فرعون متعلقا بسلطان مبين لفظا أو معنى على تقدير وسلطان مرسل به إلى فرعون لم يبعد مع المناسبة بينه وبين السلطان وفيه ما لا يخفى فتأمل .
وتخصيص الملأ مع عموم رسالة موسى عليه السلام للقوم كافة لأصالتهم في الرأي وتدبير الأمور واتباع الغير لهم في الورود الصدور ولم يصرح بكفر فرعون بالآيات وانهماكه فيما كان عليه من الضلال والإضلال بل اقتصر على ذكر شأن ملائه فقيل : فاتبعوا أمر فرعون أي أمره بالكفر بما جاء به موسى عليه السلام من الحق للإيذان بوضوح حاله فكأن كفره وأمر ملائه بذلك متحقق الوجود غير محتاج إلى الذكر صريحا وإنما المحتاج إلى ذلك شأن مائه المترددين بين هاد إلى الحق وهو موسى عليه السلام وداع إلى الضلال وهو فرعون فنعى عليهم سواء اختيارهم وإيراد الفاء للإشعار بمفاجأتهم في الإتباع ومسارعة فرعون إلى الكفر والأمر به فكأن ذلك لم يتراخ عن الإرسال والتبليغ .
وجوز أن يراد من الأمر الطريقة والشأن قيل : ومعنى فاتبعوا فاستمروا على الإتباع والفاء مثل ما في قولك : وعظته فلم يتعظ وزجرته فلم ينزجر فإن الإتيان بالشيء بعد ورود ما يوجب الإقلاع عنه وإن كان استمرارا عليه لكنه بحسب العنوان فعل جديد وصنع حادث ويجوز أن يكون المراد فاتصفوا بما أتصف به فرعون من الكفر بما جاء به موسى عليه السلام والتكذيب له ووافقوه في ذلك وإيراد الفاء للإشعار بمفاجأتهم في الموافقة لفرعون في الكفر ومسارعته إليه فكأنه حين حصل الإرسال والتبليغ حصل كفر فرعون بما جاء به موسى عليه السلام ووقع على أثره الموافقة منهم ولا تتوهمن أن هذه الموافقة كانت حاصلة لهم قبل لأنها تتوقف على اتصاف فرعون بالكفر بما جاء به موسى عليه السلام وذلك إنما تجدد له بعد الإرسال والتبليغ فلا ضرورة إلى الحمل على الإستمرار وجعل الفاء كما في قولك : زجرته فأنزجر فتأمل .
وعدل عن أمره إلى أمر فرعون لدفع توهم رجوع الضمير إلى موسى عليه السلام من أول الأمر ولزيادة تقبيح حال المتبعين فإن فرعون علم في الفساد والإفساد والضلال والإضلال فاتباعه لفرط الجهالة وعدم الاستبصار وكذا الحال في قوله تعالى : وما أمر فرعون برشيد .
97 .
- أي براشد أو بذي رشد والرشد ضد الغي وإسناده إلى الأمر مجازي وكأن في العدول عن وأمر فرعون غي وضلال إلى ما في النظم الكريم زيادة في تقبيح فعلهم وتحسيرا لهم على فوات ما فيه صلاح الدارين أعني الرشد .
ويجوز أن يجعل الرشد كناية عن المحودية والإسناد حقيقي أي وما أمر فرعون بصالح حميد العاقبة