على ما اعتادوه في تسميته كاذبا تجهيلا لهم والمعنى ستعلمون حالكم وحال الصادق الذي سميتموه كاذبا لجهلكم وليس المراد ستعلمون أنه كاذب في زعمكم فلا يرد ما توهم من أن كذبه في زعمهم واقع معلوم لهم الآن فلا معنى لتعليق علمه على المستقبل وقال ابن المنير : الظاهر أن الكلامين جميعا لهم فمن يأتيه إلخ متضمن ذكر جزائهم ومن هو كاذب متضمن ذكر جرمهم الذي يجازون به وهو الكذب وهو من عطف الصفة على الصفة والموصوف واحد كما تقول لمن تهدده : ستعلم من يهان ومن يعاقب وأنت تعني المخاطب في الكلامين فيكون في ذكر كذبهم تعريض لصدقه وهو أبلغ وأوقع من التصريح ولذلك لم يذكر عاقبة شعيب عليه السلام إستغناءا بذكر عاقبتهم وقد مر مثل ذلك أول السورة في قوله سبحانه : فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم حيث إكتفى بذلك عن أن يقول : ومن هو على خلاف ذلك ونظيره فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار حيث ذكر فيه إحدى العاقبتين لأن المراد بهذه العاقبة عاقبة الخبر لأنها متى أطلقت لا يعني إلا ذلك نحو والعاقبة للمتقين ولأن اللام في له يدل على أنها ليست عليه واستغنى عن ذكر مقابلها إنتهى وتعقبه الطيبي بما رده عليه الفاضل الجلبي وارتقبوا أي إنتظروا ما أقول لكم من حلول ما أعدكم به وظهور صدقه إني معكم رقيب .
93 .
- أي منتظر ذلك وقيل : المعنى إنتظروا العذاب إني منتظر النصرة والرحمة وروي ذلك عن ابن عباس و رقيب إما بمعنى مرتقب كالرفيع المرتفع أو راقب كالصريم بمعنى الصارم أو مراقب كعشير بمعنى معاشر والأنسب على ما قيل بقوله ارتقبوا : الأول وإن كان مجيء فعيل بمعنى إسم الفاعل المزيد غير كثير وفي زيادة معكم إظهار منه عليه السلام لكمال الوثوق بأمره ولما جاء أمرنا أي عذابنا كما ينبيء قوله سبحانه : سوف تعلمون إلخ أو وقته فإن الإرتقاب يؤذن بذلك نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وهو الإيمان الذي وفقناهم له أو برحمة كائنة لهم وإنما جيء بالفاء في قصتي ثمود ولوط حيث قيل : فلما جاء أمرنا وبالواو ههنا وفي قصة عاد حيث قيل : ولما جاء إلخ لأنه قد سبق هناك سابقة الوعد بقوله سبحانه : ذلك وعد غير مكذوب وقوله تعالى : إن موعدهم الصبح وهو يجري مجرى السبب المقتضي لدخول الفاء في معلوله وأما ههنا وفي قصة عاد فلم يسبق مثل ذلك بل ذكر مجيء العذاب على أنه قصة بنفسه وما قبله قصة أخرى لكنهما متعلقان بقوم واحد فهما متشاركان من وجه مفترقان من آخر وذلك مقام الواو كذا قيل .
وتعقب في الكلام ههنا ذكر الوعد أيضا وهو قوله سبحانه : يا قوم اعملوا على مكانتكم إلى قوله D : رقيب غاية الأمر أنه لم يذكر بلفظ الوعد ومثله لا يكفي في الفرق وقيل : إن ذكر الفاء في الموضعين لقرب عذاب قوم صالح ولوط للوعد المذكور فإن بين الأولين والعذاب ثلاثة أيام وبين الآخرين وبينه ما بين قول الملائكة : إن موعدهم الصبح والصبح : وهي سويعات يسيرة ولا كذلك عذاب قومي شعيب وهود عليهما السلام بل في قصة شعيب عليه السلام ما يشعر بعدم تضييق زمان مجيء العذاب بناءا على الشائع في إستعمال سوف على أن من أنصف من نفسه لم يشك في الفرق بين الوعد في قصتي صالح ولوط عليهما السلام والوعد في غيرهما فإن الإشعار بالمجيء فيهما ظاهر فحسن تفريعه بالفاء ولا كذلك في غيرهما كذا قيل وفيه ما لا يخفى ولعل الإقتصار على التفرقة بالقرب