من الكون والميم حينئذ زائدة وفسر ابن زيد المكانة بالحال يقال : على مكانتك يا فلان إذا أمرته أن يثبت على حاله كأنك قلت : إثبت على حالك التي أنت عليها لا تنحرف وهو من إستعارة العين للمعنى كما نص عليه غير واحد وحاصل المعنى ههنا إثبتوا على ما أنتم عليه من الكفر والمشاقة لي وسائر ما لا خير فيه .
وقرأ أبو بكر مكاناتكم على الجمع وهو بإعتبار جمع المخاطبين كما أن الإفراد بإعتبار الجنس والجار والمجرور كما قال بعضهم : يحتمل أن يكون متعلقا بما عنده على تضمين الفعل على معنى البناء ونحوه كما تقول : عمل على الجد وعلى القوة ونحوهما وأن يكون في موضع الحال أي اعملوا قارين وثابتين على مكانتكم .
إني عامل على مكانتي حسبما يؤيدني الله تعالى ويوفقني بأنواع التأييد والتوفيق وكأنه حذف على مكانتي للإختصار ولما فيه من زيادة الوعيد وقوله سبحانه : سوف تعلمون إستئناف وقع جواب سؤال مقدر ناشيء من تهديده عليه السلام وإياهم بقوله إعملوا إلخ كأن سائلا منهم سأل فماذا يكون بعد ذلك فقيل : سوف تعلمون ولذا سقطت الفاء وذكرت في آية الأنعام للتصريح بأن الوعيد ناشيء ومتفرع عن إصرارهم على ما هم عليه والتمكن فيه وما هنا أبلغ في التهويل للإشعار بأن ذلك مما يسئل عنه ويعتني به والسؤال المقدر يدل على ما دلت عليه الفاء مع ما في ذلك من تكثير المعنى بتقليل اللفظ وكأن الداعي إلى الإتيان بالأبلغ هنا دون ما تقدم أن القوم قاتلهم الله تعالى بالغوا في الإستهانة به عليه السلام وبلغوا الغاية في ذلك فناسب أن يبالغ لهم في التهديد ويبلغ فيه الغاية وإن كانوا في عدم الإنتفاع كالأنعام وما فيها نحو ذلك .
وقال بعض أجلة الفضلاء : إن إختيار إحدى الطريقين ثمة والأخرى هنا وإن كان مثله لا يسئل عنه لأنه دوري لأن أول الذكرين يقتضي التصريح فيناسب في الثاني خلافه إنتهى وهو دون ما قلناه و من في قوله سبحانه : من يأتيه عذاب يخزيه قيل : موصولة مفعول العلم وهو بمعنى العرفان وجملة يأتيه العذاب صلة الموصول وجملة يخزيه صفة عذاب ووصفه بالإخزاء تعريضا بما أوعدوه عليه السلام من الرجم فإنه مع كونه عذابا فيه خزي ظاهر وقوله تعالى : ومن هو كاذب عطف على من يأتيه و من أيضا موصولة وجوز أن تكون من في الموضعين إستفهامية والعلم على بابه وهي معلقة له عن العمل .
واستظهر أبو حيان الموصولية وليس هذا العطف من عطف القسيم على قسيمه كما في سيعلم الصادق والكاذب إذ ليس القصد إلى ذكر الفريقين وإنما القصد إلى الرد على القوم في العزم على تعذيبه بقولهم : لرجمناك والتصميم على تكذيبه بقولهم : أصلاتك تأمرك إلخ فكأنه قيل : سيظهر لكم من المعذب أنتم أم نحن ومن الكاذب في دعواه أنا أم أنتم وفيه إدراج حال الفريقين أيضا .
وفي الإرشاد أن فيه تعريضا بكذبهم في إدعائهم القوة والقدرة على رجمه عليه السلام وفي نسبته إلى الضعف والهوان وفي إدعائهم الإبقاء عليه لرعاية جانب الرهط وقال الزمخشري : إنه كان القياس ومن هو صادق بدل هذا المعطوف لأنه قد ذكر عملهم على مكانتهم وعمله على مكانته ثم أتبعه ذكر عاقبة العاملين منه ومنهم فحينئذ ينصرف من يأتيه إلخ إلى الجاحدين ومن هو صادق إلى النبي المبعوث ولكنهم لما كانوا يدعونه عليه السلام كاذبا قال : ومن هو كاذب بمعنى في زعمكم ودعواكم تجهيلا لهم يعني أنه عليه السلام جرى في الذكر