بحيث إذا أخر كان فاعلا معنويا ولا يتصور ذلك فيما نحن فيه قلنا : إن الصفة بعد النفي تستقل مع فاعلها كلاما فجاز أن يقال : ما عزيز أنت على أن يكون أنت تأكيدا للمستتر ثم يقدم ويدخل الباء على عزيز بعد تقديم أنت وجعله مبتدأ وكذلك قوله سبحانه : وما أنا بطارد الذين آمنوا وما أنت عليهم بوكيل مما يلي حرف النفي وكان الخبر صفة وقد صرح صاحب الكشاف وغيره بإفادة التقديم الحصر في ذلك كله وأما صورة الإثبات نحو أنا عارف فلا يجري فيها ذلك فلا يفيد عنده تخصيصا وإن كان مفيدا إياه عند من لا يشترط ذلك .
وأجاب صاحب الكشف عما قاله صاحب الإيضاح بعد نقل خلاصته : بأن ما فيه الخبر وصفا كما يقارب ما فيه الخبر فعلا في إفادة التقوى على ما سلمه المعترض يقاربه في إفادة الحصر لذلك الدليل بعينه وأن قولهم : ولو لا رهطك لرجمناك كفى به دليلا أن حق الكلام أن يفاد التخصيص لا أصل العز ففهمه من ذلك لا ينافي كونه جوابا لهذا الكلام بل يؤكده وقد صرح الزمخشري بإفادة نحو هذا التركيب الإحتمالين في أنها كلمة هو قائلها وقال العلامة الطيبي : إن قوله تعالى : لو لا رهطك لرجمناك وقوله سبحانه : وما أنت علينا بعزيز من باب الطرد والعكس عنادا منهم فلا بد من دلالتي المنطوق والمفهوم في كل من اللفظين إنتهى .
ويعلم من جميع ما ذكر ضعف إعتراض صاحب الإيضاح والعجب من العلامة حيث قال : إنه إعتراض قوي وأشار السكاكي بتقدير المضاف إلى دفع الإشكال بأن كلامهم إنما وقع في شعيب عليه السلام وفي رهطه وأنهم هم الأعزة دونه من غير دلالة على أنهم أعز من الله تعالى .
وأجيب أيضا بأن تهاونهم بنبي الله تعالى تهاون به سبحانه فحين عز عليهم رهطه دونه كان رهطه أعز عليهم من الله تعالى أو بأن المعنى أرهطي أعز عليكم من الله تعالى حتى كان إمتناعكم عن رجمي بسبب إنتسابي إليهم وأنهم رهطي لا بسبب إتسابي إلى الله تعالى وأني رسوله ثم ما ذكره السيد قدس سره من جعل التنوين في عزيز للتعظيم وحينئذ يدل الكلام على ثبوت أصل العزة له عليه السلام فيلائمه أرهطي أعز إلخ صحيح في نفسه إلا أن ذلك بعيدا جدا من حال القوم فإن الظاهر أنهم إنما قصدوا نفي العزة عنه عليه السلام مطلقا وإثباتا لرهطه لا نفي العزة العظيمة عنه وإثباتها لهم ليدل الكلام على إشتراكهما في أصل العزة وزيادتها فيهم وذلك لأن العزة وإن لم تكن عظيمة تمنع القتل بالحجارة الذي هو من أشر أنواع القتل ولا أظن إنكار ذلك إلا مكابرة وكأنه لهذا لم يعتبر مولانا أبو السعود عليه الرحمة جعل التنوين للتعظيم لتتأتى المشاركة فيظهر وجه إنكار الأعزية فاحتاج للكشف عن ذلك مع عدم المشاركة فقال : وإنما أنكر عليه السلام عليهم أعزية رهطه منه تعالى مع أن ما أثبتوه إنما هو مطلق عزة رهطه لا أعزيتهم منه D مع الإشتراك في أصل العزة لتثنية التقريع وتكرير التوبيخ حيث أنكر عليهم أولا ترجيح جنبة الرهط على جنبة الله تعالى وثانيا نفي العزة بالمرة والمعنى أرهطي أعز عليكم من الله فإنه مما لا يكاد يصح والحال أنكم لم تجعلوا له تعالى حظا من العزة أصلا واتخذتموه بسبب عدم إعتدادكم بمن لا يرد ولا يصدر إلا بأمره وراءكم ظهريا شيئا منبوذا وراء الظهر منسيا إنتهى .
وأنا أقول : قد ذكر الرضي أن المجرور بمن التفضيلية لا يخلو من المشاركة المفضل في المعنى إما تحقيقا كما في زيد أحسن من عمرو أو تقديرا كقول علي كرم الله تعالى وجهه : لأن أصوم يوم من شعبان أحب إلي