وأجيب بأنا لا نسلم عدم الإحتراز معه عن النجاسات فإن كثيرا ممن نشاهده من العميان أكثر إحترازا عنها من غيره وبأن القاضي والشاهد يحتاجان إلى التمييز بين المدعي والمدعى عليه والنبي لا يحتاج لتمييز من يدعوه مع أنه معصوم فلا يخطيء كغيره كذا قيل فلينظر ولولا رهطك أي جماعتك قال الراغب : هم مادون العشرة .
وقال الزمخشري : من الثلاثة إلى العشرة وقيل : إلى السبعة وقيل : بل يقال : إلى الأربعين ولا يقع فيما قيل كالعصبة والنفر إلا على الرجال ومثله الراهط وجمعه أرهط وجمع الجمع أراهط وأصله على ما نقل عن الرماني الشد ومنه الرهيط لشدة الأكل والراهطاء لحجر اليربوع لأنه يتوثق به ويخبأ فيه ولده والظاهر أن مرادهم لولا مراعاة جانب رهطك لرجمناك أي لقتلناك برمي الأحجار وهو المروي عن ابن زيد وقيل : ذلك كناية عن نكاية القتل كأنهم قالوا : لقتلناك بأصعب وجه وقال الطبري : أرادوا لسببناك كما في قوله تعالى : لأرجمنك واهجرني مليا وقيل : لأبعدناك وأخرجناك من أرضنا ولم يجوزوا أن يكون المراد لولا ممانعة رهطك ومدافعتهم لأن ممانعة الرهط وهم عدد نزر لألوف مؤلفة مما لا يكاد يتوهم ومعنى وما أنت علينا بعزيز .
91 .
- ما أنت بمكرم محترم حتى نمتنع من رجمك وإنما نكف عنك للمحافظة على حرمة رهطك الذين ثبتوا على ديننا ولم يختاروك علينا والجار الأول متعلق بعزيز وجاز لكون المعمول ظرفا والباء مزيدة ولك أن تجعله متعلقا بمحذوف يفسره الظاهر وهو خبر أنت وقد صرح السكاكي في المفتاح أنه قصد بتقديم هذا الضمير الذي هو فاعل معنوي وإن لم يكن الخبر فعلا بل صفة مشبهة وإيلائه النفي الحصر والإختصاص أي إختصاص النفي بمعنى أن عدم العزة مقصور عليك لا يتجاوزك إلى رهطك لا بمعنى نفي الإختصاص بمعنى لست منفردا بالعزة وهو ظاهر قاله العلامة الثاني قال السيد السند : إنه قصد فيه نفي العزة عن شعيب عليه السلام وإثباتها لرهطه فيكون تخصيصا للعزة بهم ويلزمه تخصيص عدمها به إلا أن المتبادر كما يشهد به الذوق السليم هو القصد إلى الأول واستدل السكاكي على كون ذلك للإختصاص بقوله عليه السلام في جواب هذا الكلام ما حكى بقوله عز شأنه : قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله أي من نبي الله على ما قال عليه الرحمة ووجه الإستدلال كما قال العلامة وغيره : إنه لو لم يكن قصدهم اختصاصه بنفي العزة بل مجرد الإخبار بعدم عزته عليهم لم يستقم هذا الجواب ولم يكن مطابقا لمقالهم إذ لا دلالة لنفي العزة عنه على ثبوتها للغير وإنما يدل على ذلك إختصاصه بنفي العزة .
واعترض صاحب الإيضاح بأن هذا من باب أنا عارف وهو لا يفيد الإختصاص وفاقا وإنما يفيده التقديم على الفعل مثل أنا عرفت وكون المشتقات قريبة من الأفعال في التقوى لا يقتضي كونها كالأفعال في الإختصاص والتمسك بالجواب ضعيف لجواز أن يكون جوابا لقولهم : لو لا رهطك لرجمناك فإنه يدل على أن رهطه هم الأعزة حيث كان الإمتناع عن رجمه بسببهم لا بسببه ومعلوم بحسب الحال والمقام أن ذلك لعزتهم لا لخوفهم وتعقبه السيد السند بأن صاحب الكشاف صرح بالتخصيص في قوله تعالى : كلا إنها كلمة هو قائلها فكيف يقال : باب أنا عارف لا يفيد الإختصاص إتفاقا وإن جعله جوابا لما أنت عليه بعزيز هو الظاهر بأن يجعل التنوين للتعظيم فيدل على ثبوت أصل العزة له عليه السلام ودلالة لقولهم : ولولا رهطك لرجمناك على إشتراك العزة فلا يلائمه أرهطي أعز عليكم ثم قال : فإن قيل : شرط التخصيص عند السكاكي أن يكون المقدم