تأمرك أي أصلاتك تأمرك أن تفعل في أموالنا ما تشاء أي من إيفاء المكيال والميزان كما هو الظاهر وقيل : من الزكاة فقد كان عليه السلام يأمرهم بها كما روي عن سفيان الثوري قيل : وفي الآية على هذا مع حمل الصلاة على ما يتبادر منها دليل على أنه كان في شريعته عليه السلام صلاة وزكاة وأيد بما روي عن الحسن أنه قال : لم يبعث الله تعالى نبيا إلا فرض عليه الصلاة والزكاة وأنت تعلم أن حمل ما تشاء على الزكاة غير متعين بل هو خلاف ظاهر السوق وحمل الصلاة على ذلك وإن كان ظاهرا إلا أنه روى ابن المنذر وغيره عن الأعمش تفسيرها بالقراءة ونقل عن غيره تفسيرها بالدعاء الذي هو المعنى اللغوي لها .
وعن أبي مسلم تفسيرها بالدين لأنها من أجل أموره وعلى تقدير أن يراد منها الصلاة بالمعنى الآخر لا تدل الآية على أكثر من من أن يكون له عليه السلام صلاة ولا تدل على أنها من الأمور المكلف بها أحد من أمته فيمكن أن يكون ذلك من خصوصياته عليه السلام وما روي عن الحسن ليس نصا في الغرض كما لا يخفى هذا وجوز أن يكون العطف على القراءة على ما وتعقب بأنه يستدعي أن يحمل الترك على معنيين مختلفين ولا يترك على ما يتبادر منه .
وقرأ أبو عبدالرحمن وطلحة بالنون في الأول والتاء في الثاني والعطف على مفعول تأمرك والمعنى ظاهر مما تقدم إنك لأنت الحليم الرشيد .
87 .
- وصفوه عليه السلام بهذين الوصفين الجليلين على طريقة الإستعارة التهكمية فالمراد بهما ضد معناهما وهذا هو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وإليه ذهب قتادة والمبرد .
وجوز أن يكونوا وصفوه بذلك بناءا على الزعم والجملة تعليل لما سبق من إستبعاد ما ذكروه كأنهم قالوا : كيف تكلفنا بما تكلفنا مع أنك أنت الحليم الرشيد بزعمك وقيل : يجوز أن يكون تعليلا باقيا على ظاهره بناءا على أنه عليه السلام كان موصوفا عندهم بالحلم والرشد وكان ذلك بزعمهم مانعا من صدور ما صدر منه عليه السلام ورجح الأول بأنه الأنسب بما قبله لأنه تهكم أيضا ورجح الأخير بأنه يكون الكلام عليه نظير ما مر في قصة صالح عليه السلام من قولهم له : قد كنت فينا مرجوا قبل هذا وتعقيبه بمثل ما عقب به ذلك حسبما تضمنه قوله سبحانه : قال يا قوم أرءيتم إن كنت على بينة حجة ظاهرة من ربي ومالك أموري ورزقني منه من لدنه سبحانه رزقا حسنا هو النبوة والحكمة يدل على ذلك والجواب عليه من باب إرخاء العنان والكلام المصنف كأنه عليه السلام قال : صدقتم فيما قلتم إني لم أزل مرشدا لكم حليما فيما بينكم لكن ما جئت به ليس غير الإرشاد والنصيحة لكم إنظروا بعين الإنصاف وأنتم ألباء إن كنت على حجة واضحة ويقين من ربي وكنت نبيا على الحقيقة أيصح لي وأنا مرشدكم والناصح لكم أن لا آمركم بترك الأوثان والكف عن المعاصي والأنبياء لا يبعثون إلا لذلك ثم إنه عليه السلام أكد معنى الإرشاد وأدرج معي الحلم فيما سيأتي من كلامه صلى الله تعالى عليه وسلم كذا قرره العلامة الطيبي .
واختار شيخ الإسلام عدم كونه باقيا على الظاهر لما أن مقام الإستهزاء آب عنه وذكر قدس سره أن المراد بالبينة والرزق الحسن النبوة والحكمة وأن التعبير عنهما بذلك للتنبيه على أنهما مع كونهما بينة رزق حسن كيف لا وذلك مناط الحياة الأبدية له عليه السلام ولأمته وأن هذا الكلام منه عليه السلام رد على