بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال : إن فيها لوطا فقوله عليه السلام : إن فيها لوطا مجادلة وعد ذلك مجادلة لأن مآله على ما قيل : كيف تهلك قرية فيها من هو مؤمن غير مستحق للعذاب ولذا أجابوه بقولهم نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته وهذا القدر من القول هو المتيقن .
وعن حذيفة أنهم لما قالوا له عليه السلام ما قالوا قال : أرأيتم إن كان فيها خمسون من المسلمين أتهلكونها قالوا : لا قال : فثلاثون قالوا : لا قال : فعشرون قالوا : لا قال : فإن كان فيهم عشرة أو خمسة شك الراوي قالوا : لا قال : أرأيتم إن كان فيها رجل واحد من المسلمين أتهلكونها قالوا : لا فعند ذلك قال : إن فيها لوطا فأجابوه بما أجابوه وروي نحو ذلك عدة روايات الله تعالى أعلم بصحتها وفسر بعضهم المجادلة بطلب الشفاعة وقيل : هي سؤاله عن العذاب هل هو واقع بهم لا محالة أم على سبيل الإخافة ليرجعوا إلى الطاعة وأيا ما كان فيجادلنا جواب لما وكان الظاهر جادلنا إلا أنه عبر بالمضارع لحكاية الحال الماضية واستحضار صورتها وقيل : إن لما كلو تقلب المضارع ماضيا كما أن أن تقلب الماضي مستقبلا وقيل : الجواب محذوف وهذه الجملة في موضع الحال من فاعله أي أخذ أو أقبل مجادلا لنا وآثر هذا الوجه الزجاج ولكنه جعله مع حكاية الحال وجها واحدا لأنه قال : ولم يذكر في الكلام أخذ لأن الكلام إذا أريد به حكاية حال ماضية قدر فيه أخذ وأقبل لأنك إذا قلت : قام زيد دل على فعل ماض وإذا قلت : أخذ زيد يقوم دل على حال ممتدة من أجلها ذكر أخذ وأقبل وصنيع الزمخشري يدل على أنهما وجهان وتحقيقه على ما في الكشف أنه إذا أريد إستمرار الماضي فهو كما ذكره الزجاج وإن أريد التصوير المجرد فلا وقيل : الجواب محذوف .
والجملة مستأنفة إستئنافا نحويا أو بيانيا وهي دليل عليه والتقدير إجترأ على خطابنا أو فطن بمجادلتنا وقال : كيت وكيت واختاره في الكشاف وقيل : إن هذه الجملة وكذا الجملة التي قبلها في موضع الحال من إبراهيم على الترادف أو التداخل وجواب لما قلنا يقدر قبل يا إبراهيم أعرض عن هذا وأقرب الأقوال أولها والبشرى إن فسرت بقولهم : لا تخف فسببية ذهاب الخوف ومجيء السرور للمجادلة ظاهرة وأما إن فسرت ببشارة الولد كما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن قتادة واختاره جمع أو بما يعمها فلعل سببيتها لها من حيث أنها تفيد زيادة إطمئنان قلبه عليه السلام بسلامته وسلامة أهله كافة كذا قاله مولانا شيخ الإسلام ثم قال : إن قيل : إن المتبادر من هذا الكلام أن يكون إبراهيم عليه السلام قد علم أنهم مرسلون لإهلاك قوم لوط قبل ذهاب الروع عن نفسه ولكن لم يقدر على مجادلتهم في شأنهم لإشتغاله بشأن نفسه فلما ذهب عنه الروع فرغ لها مع أن ذهاب الروع إنما هو قبل العلم بذلك لقوله سبحانه : قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط قلنا : كان لوط عليه السلام على شريعة إبراهيم عليه السلام وقومه مكلفين بها فلما رأى من الملائكة عليهم السلام ما رأى خاف على نفسه وعلى كافة أمته التي من جملتهم قوم لوط ولا ريب في تقدم هذا الخوف على قولهم : لا تخف وأما الذي علمه عليه السلام بعد بعد النهي فهو إختصاص قوم لوط بالهلاك لا دخول لهم تحت العموم فتأمل إنتهى .
وفيه أن كون الكل أمته في حيز المنع وما أشار إليه من إتحاد الشريعتين إن أراد به الإتحاد في الأصول كاتحاد شريعة نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم مع شريعة إبراهيم عليه السلام فمسلم لكن لا يلزم منه ذلك وإن أراد به الإتحاد في الأصول والفروع فغير مسلم ولو سلم ففي لزوم كون الكل أمته له تردد على أنه لو سلمنا كل ذلك