أي إذا وقفت على جلية الحال فلا تطلب مني ما ليس لك به علم أي مطلبا لا تعلم يقينا أن حصوله صواب وموافق للحكمة على تقدير كون ما عبارة عن المسئول الذي هو مفعول للسؤال أو طلبا لا تعلم أنه صواب على تقدير كونه عبارة عن المصدر الذي هو مفعول مطلق فيكون النهي واردا بصريحه في كل من معلوم الفساد ومشتبه الحال قاله شيخ الإسلام وجوز أن يكون ما ليس لك علم بأنه صواب أو غير صواب وهو الذي ذهب إليه القاضي فيكون النهي واردا في مشتبه الحال ويفهم منه حال معلوم الفساد بالطريق الأولى وأياما كان فهو عام يندرج تحته ما نحن فيه كما ذكرنا وسمي النداء سؤالا لتضمنه إياه وإن لم يصرح به كما لا يخفى وبه على ما نقل عن أبي علي إما متعلق بما يدل عليه العلم المذكور وإن لم يتسلط عليه كقوله : ربيته حتى إذا تمعددا كان جزائي بالعصا أن أجلدا وإما أن يتعلق بالمستقر في ذلك وكذا الكلام فيما سيأتي إن شاء الله تعالى والآية ظاهرة في أن نداءه عليه السلام لم يكن استفسارا عن سبب عدم إنجائه مع تحقق سبب الإنجاء فيما عنده كما جوزه القاضي بناءا على أنه كان بعد الغرق بل هو دعاء منه عليه السلام لإنجاء ابنه حين حال الموج بينهما ولم يعلم بهلاكه بعد إما بتقريبه إلى الفلك بتلاطم الأمواج مثلا أو بتقريبها إليه وقيل : أو بإنجائه بسبب آخر ويأباه تذكير الوعد في الدعاء فإنه مخصوص بالإنجاء في الفلك ومجرد حيلولة الموج لا يستوجب الهلاك فضلا عن العلم به لظهور إمكان عصمة الله تعالى عليه إياه برحمته وقد وعده بإنجاء أهله ولم يعتقد أن فيه مانعا من الإنتظام في سلكهم لمكان النفاق وعدم المجاهرة بالكفر لما في ذلك لفظا من الإحتياج إلى القول بالحذف والإيصال ومعنى من أن النهي عن الإستفسار عما لا يعلم غير موافق للحكمة إذ عدم العلم بالشيء داع إلى الإستفسار عنه لا إلى تركه .
وقيل : إن السؤال عن موجب عدم النجاة مع ما فيه من الجرأة وشبه الإعتراض فيه أنه تعين له عليه السلام أنه من المستثنين بهلاكه فهو غير سديد كيف ونداؤه ذاك مما يقطر منه الاستعطاف .
وقيل : إن النهي إنما هو سؤال ما لا حاجة إليه إما لأنه لا يهم أو لأنه قامت القرائن على حاله لا عن السؤال للإسترشاد فلا ضير إذن في كلام القاضي وهو كما ترى .
ولا يصلح العطار ما أفسد الدهر .
فالحق أن ذلك مسألة الإنجاء وكان قبل تحقق الغرق عند رؤية المشارفة عليها ولم يكن عالما بكفره إذ ذاك لأنه لم يكن مجاهرا به وإلا لم يدع له بل يدعه أيضا ولا تكن مع الكافرين لا يدل على أنه كافر عنده بل هو نهي عن الدخول في غمارهم وقطع بأنه ذلك يوجب الغرق على الطريق البرهاني كما قدمنا وكأنه عليه السلام حمل مقاولته على غير المكابرة والتعنت لغلبة المحبة وذهول عن إعطاء التأمل حقه فلذلك طلب ما طلب فعوتب بأن مثله في معرض الإرشاد والقيام بأعباء الدعوة تلك المدة المتطاولة لا ينبغي أن يشتبه عليه كلام المسترشد والمعاند ويرجع هذا إلى ترك الأولى وهو المراد بقوله سبحانه : إني أعظك أن تكون من الجاهلين .
46 .
- .
وذكر شيخ الإسلام أن إعتزاله قصده الإلتجاء إلى الجبل ليس بنص في الإصرار على الكفر لظهور جواز أن يكون ذلك لجهله بإنحصار النجاة في الفلك وزعمه أن الجبل أيضا يجري مجراه أو لكراهة الإحتباس في الفلك بل قوله سآوي إلى جبل يعصمني من الماء بعد ما قال له نوح ولا تكن مع الكافرين ربما يطمعه عليه السلام في إيمانه حيث لم يقل أكون معهم أو سنأوي أو يعصمنا فإن إفراد نفسه بنسبة الفعلين المذكورين