وفي رواية أنه كان يؤذيهم في السفينة فألقيت عليه الحمى ليشتغل بنفسه وفي أخرى أنه عليه السلام حين أمر بالحمل قال : با رب كيف بالأسد والفيل فقال له سبحانه : سألقي عليهما الحمى وهي ثقيلة وفي أخرى عن أبي عبيدة أنه عليه السلام حين أمر بالحمل لم يستطع أن يحمل الأسد حتى ألقيت عليه الحمى فحمله فأدخله ولا يخفى أنها دلالة بعضها على أن إلقاء الحمى قبل الدخول وبعضها على أنه بعده وكان يغني عن إلقائها بعد دفعا لأذاء التأليف بينه وبين الإنسان كما ألف بين ما مر بعضه مع بعض ولعل لدفع الأذى بالحمى دون التأليف إن صح ذلك حكمة لكنها غير ظاهرة لنا وجاء في بعض الآثار ما يفهم منه أنه كان معه عليه السلام في السفينة من الجن ما كان وفي بعضها أن إبليس عليه اللعنة كان أيضا .
فعن ابن عباس لما أراد الله تعالى أن يدخل الحمار السفينة أخذ نوح بأذني الحمار وأخذ إبليس بذنبه فجعل نوح يجذبه وجعل إبليس يجذبه فقال نوح عليه السلام : أدخل شيطان فدخل الحمار ودخل إبليس معه فلما سارت السفينة جلس في ذنبها يتغنى فقال له نوح : ويلك من أذن لك قال : أنت قال : متى قال : إذ قلت للحمار أدخل شيطان فدخلت بإذن منك وفي رواية أخرى عنه أن نوحا عليه السلام قال للحمار : ويحك أدخل وإن كان الشيطان معك كلمة جرت على لسان فدخل معه الشيطان .
وأخرج ابن عساكر عن عطاء أن اللعين جاء ليركب السفينة فدفعه نوح عليه السلام فقال : يا نوح إني منظور ولا سبيل لك علي فعرف أنه صادق فأمره أن يجلس على خيزران السفينة وهو بظاهره مخالف لما روي عن ابن عباس وإختلفوا في أنه كيف جمعت الحيوانات على تفرقها في أكناف الأرض فقيل : إنها أحست بالعذاب فإجتمعت وعن الزهري أن الله تعالى بعث ريحا فحمل إليه من كل زوجين اثنين من الطير والسباع والوحش والبهائم .
وعن جعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما أن الله تعالى بعث جبريل عليه السلام فحشرنا فجعل عليه السلام يضرب بيديه على الزوجين فتقع يده اليمنى على الذكر واليسرى على الأنثى فيدخلهما السفينة حتى أدخل عدة ما أمر الله تعالى به وروي إسحاق بن بشر وغيره عن زيد بن ثابت أنه إستعصت عليه عليه السلام الماعزة فدفعها في ذنبها فمن ثم إنكسر وبدا حياها ومضت النعجة حتى دخلت فمسح على ذنبها فستر حياها .
وفي كتب الأخبار كثير من هذه الآثار التي يقتضي منها العجب وأنا لا أعتقد سوى أن الله عزت قدرته خلق الماعزة والنعجة من قبل على ما هما عليه اليوم وأنه سبحانه لم يخلق الهرة من الأسد وإن أشبهته صورة ولا الخنزير من الفيل وإن كان بينهما شبه ما كما شاهدناه عام مجيء الفيل إلى بغداد ولو كلف الفيل أكل العذرة لكان أحب إلى أهل السفينة من زيادة خنزير فيها وأحب من ذلك كله إليهم أن لا يكون في السفينة غيرهم أو يكون حيوان واحد يخلق لهم من عطاسه ما يريدونه من الحيوانات ويحتاجون إليه بعد .
والذي يميل القلب إليه أن الطوفان لم يكن عاما كما قال به البعض وأنه عليه السلام لم يؤمر بحمل ما جرت العادة يتكونه من عفونة الأرض كالفأر والحشرات بل أمر بحمل ما يحتاج إليه إذا نجا ومن معه من الغرق لئلا يغتنموا لفقده ويتكلفوا مشقة جلبه من الأصقاع التي لم يصلها الغرق فكأنه قيل : قلنا إحمل فيها من كل ما تحتاجونه إذا نجوتم زوجين إثنين وإن قلنا بعموم الغرق نقول أيضا : إنه عليه السلام لم يكلف بحمل شيء من المتكونات من العفونة بل كلف بالحمل مما يتناسل من الحيوانات لمصلحة بقاع النوع وكانت السفينة بحيث