وناصح العسل خالصه أو من قولهم نصحت الجلد خطته والناصح الخياط والنصاح الخيط وقرأ عيسى ابن عمر الثقفي نصحي بفتح النون وهو مصدر وعلى قراءة الجماعة على ما قال أبو حيان يحتمل أن يكون مصدرا كالشكر وأن يكون إسما إن أردت أن أنصح لكم شرط حذف جوابه لدلالة ما سبق عليه وليس جوابا له لإمتناع تقدم الجواب على الشرط على الأصح الذي ذهب إليه البصريون أي إن أردتم أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي والجملة كلها دليل جواب قوله سبحانه : إن كان الله يريد أن يغويكم والتقدير إن كان الله يريد أن يغويكم فإن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي وجعلوا الآية من باب إعتراض الشرط على الشرط وفي شرح التسهيل لابن عقيل أنه إذا توالى شرطان مثلا كقولك : إن جئتني إن وعدتك أحسنت إليك فالجواب للأول وإستغنى به عن جواب الثاني وزعم ابن مالك أن الشرط الثاني مقيد للأول بمنزلة الحال فكأنه قيل في المثال : إن جئتني في حال وعدي لك أحسنت إليك والصحيح في المسألة أن الجواب للأول وجواب الثاني محذوف لدلالة الشرط الثاني وجوابه عليه فإذا قلت : إن دخلت الدار إن كلمت زيدا إن جاء إليك فأنت حر فأنت حر جواب إن دخلت وهو وجوابه دليل جواب إن كلمت وإن كلمت وجوابه دليل جواب إن جاء والدليل على الجواب جواب في المعنى والجواب متأخر فالشرط الثالث مقدم وكذا الثاني فكأنه قيل إن جاء فإن كلمت فإن دخلت فأنت حر فلا يعتق إلا إذا وقع هكذا مجيء ثم كلام ثم دخول وهو مذهب الشافعي عليه الرحمة وذكر الجصاص أن فيها خلافا بين محمد وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وليس مذهب الإمام الشافعي فقط وقال بعض الفقهاء : إن الجواب للأخير والشرط الأخير وجوابه جواب الثاني والشرط الثاني وجوابه جواب الأول وعلى هذا لا يعتق حتى يوجد هكذا دخول ثم كلام ثم مجيء وقال بعضهم : إذا إجتمعت حصل العتق من غير ترتيب وهذا إذا كان التوالي بلا عاطف فإن عطف بأو فالجواب لأحدهما دون تعيين نحو إن جئتني أو إن أكرمت زيدا أحسنت إليك وإن كان بالواو فالجواب لهما وإن كان بالفاء فالجواب للثاني وهو وجوابه جواب الأول فتخرج الفاء عن العطف وإدعى ابن هشام أن في كون الآية من ذلك الباب نظرا قال : إذ لم يتوال شرطان وبعدهما جواب كما فيما سمعت من الأمثلة وكما في قول الشاعر : إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا منا معاقل عز زانها كرم إذ لم يذكر فيها جواب وإنما تقدم على الشرطين ما هو جواب في المعنى للأول فينبغي أن يقدر إلى جانبه ويكون الأصل إن أردت أن أنصح لكم فلا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يغويكم وأما أن يقدر الجواب بعدهما ثم يقدر بعد ذلك مقدما إلى جانب الشرط الأول فلا وجه له إنتهى .
وقد ألف في المسألة رسالة كما قال الجلال السيوطي وأوردها في حاشيته على المغنى حسنة ولا يخفى عليك أن المقدر في قوة المذكور والكثير في توالي شرطين بدون عاطف تأخره سماعا فيقدر كذلك ويجري عليه حكمه .
والكلام على ما تقدم متضمن لشرطين مختلفين : أحدهما جواب للآخر وقد جعل المتأخر في الذكر متقدما في المعنى على ما هو المعهود في المسألة وهو عند الزمخشري على ما قيل شرطية واحدة مقيدة حيث جعل لا ينفعكم دليل الجواب لأن كان وجعل إن أردت قيدا لذلك نظير إن أحسنت إليك إن أمكنني فتأمل والكلام متعلق بقولهم : قد جادلتنا فأكثرت جدالنا صدر عنه عليه السلام إظهارا للعجز عن ردهم