بحسبها نبوة من عنده فخفيت عليكم تلك البينة ولم تصيبوها ولم تنالوها ولم تعلموا حيازتي لها وكوني عليها إلى الآن حتى زعمتم أني مثلكم وهي متحققة في نفسها أنلزمكم قبول نبوتي التابعة لهما والحال أنكم كارهون لذلك ثم قيل : فيكون الإستفهام للحمل على الإقرار وهو الأنسب بمقام المحاجة وحينئذ يكون كلامه عليه السلام جوابا عن شبهتهم التي أدرجوها في خلال مقالهم من كونه عليه السلام بشرا قصارى أمره أن يكون مثلهم من غير فضل له عليهم وقطعا لشأفة آرائهم الركيكة إنتهى وفيه أن كون معنى أنلزمكموها أنلزمكم قبول نبوتي التابعة لها غير ظاهر على أن في أمر التبعية نظرا كما لا يخفى ولعل الإتيان بما أتى به من الشرط من باب المجاراة وإسناد الإلزام لضمير الجماعة إما للتعظيم أو لإعتبار متبعيه عليه السلام معه ذلك ويا قوم ناداهم بذلك تلطفا بهم وإستدراجا لهم لا أسئلكم عليه أي التبليغ المفهوم مما تقدم وقيل : الضمير للإنذار وأفرد الله سبحانه بالعبادة وقيل : للدعاء إلى التوحيد وقيل : غير ذلك وكلها أقوال متقاربة أي لا أطلب منكم على ذلك مالا تؤدونه إلى بعد إيمانكم وأجرا لي في مقابلة إهتدائكم إن أجري إلا على الله فهو سبحانه يثيبني على ذلك في الآخرة ولا بد حسب وعده الذي لا يخلف فالمراد بالأجر الأجر على التبليغ وجوز أن يراد الأجر على الطاعة مطلقا ويدخل فيه ذلك دخولا أوليا وفي التعبير بالمال أولا وبالأجر ثانيا ما لا يخفى من مزية ما عند الله تعالى على ما عندهم وما أنا بطارد الذين آمنوا قيل : هو جواب عما لوحوا به بقولهم وما نراك إتبعك إلا الذين هم أراذلنا من أنه لو إتبعه الأشراف لوافقوهم وإن إتباع الفقراء مانع لهم هم ذلك كما صرحوا به في قولهم أنؤمن لك واتبعك الأرذلون فكان ذلك التماسا منهم لطردهم وتعليقا لإيمانهم به عليه السلام بذلك أنفة من الإنتظام معهم في سلك واحد إنتهى والمروي عن ابن جريج أنهم قالوا له يا نوح : إن أحببت أن نتبعك فاطرد هؤلاء وإلا فلن نرضى أن نكون نحن وهم في الأمر سواء وذلك كما قال قريش للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم في فقراء الصحابة رضي الله تعالى عنهم : أطرد هؤلاء عنك ونحن نتبعك فإنا نستحي أن نجلس معهم في مجلسك فهو جواب عما لم يذكر في النظم الكريم لكن فيه نوع إشارة إليه وقريء بطارد بالتنوين قال الزمخشري : على الأصل يعني أن إسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الإستقبال فأصله أن يعمل ولا يضاف وهو ظاهر كلام سيبويه واستدرك عليه أبو حيان بأنه قد يقال : إن الأصل الإضافة لأنه قد إعتوره شبهان : أحدهما شبهه بالمضارع وهو شبه بغير جنسه والآخر شبهه بالأسماء إذا كانت فيها الإضافة وإلحاقه بجنسه أولى من إلحاقه بغير جنسه إنتهى وربما يقال : إن أولوية إلحاقه بالأسماء إنما يتم القول بها إذا كانت الإضافة في الأسماء هي الأصل وليس فليس إنهم ملقوا ربهم تعليل للإمتناع من طردهم كأنه قيل : لا أطردهم ولا أبعدهم عن مجلسي لأنهم من أهل الزلفى المقربون الفائزون عند الله تعالى وإنفهام الفوز بمعونة المقام وإلا فملاقاة الله تعالى تكون للفائز وغيره أو أنهم ملاقوا ربهم فيخاصمون طاردهم عنده فيعاقبه على ما فعل وحمله على أنهم مصدقون في الدنيا بلقاء ربهم موقنون به عالمون أنهم ملاقوه لا محالة فكيف أطردهم خلاف الظاهر على أن هذا التصديق من توابع الإيمان وقيل : المعنى إنهم يلاقونه تعالى فيجازيهم على ما في قلوبهم من إيمان صحيح ثابت كما ظهر لي أو على خلاف ذلك مما تعرفونهم به من بناء أمرهم على باديء الرأي من غير تعمق في الفكر وما على أن أشق عن قلوبهم وأتعرف سر ذلك منهم حتى أطردهم إن كان الأمر كما تزعمون وفيه أنه مع كونه