ما يستدعي نبوتك وكونك رسول الله تعالى إلينا بذلك وأتباعك أراذل إتبعوك من غير تأمل وتثبت فلا يدل إتباعهم على أن فيك ما يستدعي ذلك وخفى عنا وأيضا لست ذا تفضل علينا ليكون تفضلك داعيا لنا لموافقتك كيفما كنت ولا أتباعك ذوو تفضل علينا لنوافقهم وإن كانوا أراذل مراعاة لحق التفضل فإن الإنسان قد يوافق الرذيل لتفضله ولا يبالي بكونه رذيلا لذلك مما يدور في الخلد إلا أن في القلب منه شيئا بل نظنكم كاذبين .
27 .
- جميعا لكون كلامهم واحدا ودعوتكم واحدة أو إياك في دعوة النبوة وإياهم في تصديقك قيل : واقتصروا على الظن إحترازا منهم عن نسبتهم إلى المجازفة كما أنهم عبروا بما عبروا أولا لذلك مع التعريض من أول الأمر برأي المتبعين ومجاراة معه عليه السلام بطريق الآراء على نهج الإنصاف قال إستئناف بياني يقوم أرءيتم أي أخبروني وفيه إيماء إلى ركاكة رأيهم المذكور إن كنت على بينة حجة ظاهرة من ربي وشاهد يشهد لي بصحة دعواي وآتاني رحمة من عنده هي النبوة على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وجوز أن تكون هي البينة نفسها جيء بها إيذانا بأنها مع كونها بينة من الله تعالى رحمة ونعمة عظيمة منه سبحانه ووجه إفراد الضمير في قوله تعالى : فعميت عليكم أي أخفيت على هذا ظاهر وإن أريد بها النبوة وبالبينة البرهان الدال على صحتها فالإفراد لإرادة كل واحدة منهما أو لكون الضمير للبينة والإكتفاء بذلك لإستلزام خفاء البينة خفاء المدعي وجملة وآتاني رحمة على هذا معترضة أو لكونه للرحمة وفي الكلام مقدار أي أخفيت الرحمة بعد إخفاء البينة وما يدل عليها وحذف للإختصار وقيل : إنه معتبر في المعنى دون تقدير أو لتقدير عميت غير المذكور بعد لفظ البينة وحذف إختصارا وفيه تقدير جملة قبل الدليل .
وقرأ أكثر السبعة فعميت بفتح العين وتخفيف الميم مبنيا للفاعل وهو من العمى ضد البصر والمراد به هنا الخفاء مجازا يقال : حجة عمياء كما يقال : مبصرة للواضحة وفي الكلام إستعارة تبعية من حيث أنه شبه خفاء الدليل بالعمى في أن كلا منهما يمنع الوصول إلى المقاصد ثم فعل ما لا يخفى عليك وجوز أن يكون هناك إستعارة تمثيلية بأن شبه الذي لا يهتدي بالحجة لخفائها عليه بمن سلك مفازة لا يعرف طرقها وإتبع دليلا أعمى فيها وقيل : الكلام على القلب والأصل فعميتم عنها كما تقول العرب : أدخلت القلنسوة في رأسي ومنه قول الشاعر : .
ترى الثور فيها يدخل الظل رأسه .
وقوله سبحانه : فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله وتعقبه أبو حيان بأن القلب عند أصحابنا مطلقا لا يجوز إلا في الضرورة وقول الشاعر ليس منه بل من باب الإتساع في الظرف وكذا الآية ليست منه أيضا لأن أخلف يتعدى إلى مفعولين والوصف منه كذلك ولك أن تضيفه إلى أيهما شئت على أنه لو كان ما ذكر من القلب لكان التعدي بعن دون على ألا ترى أنك تقول : عميت عن كذا ولا تقول : عميت على كذا .
وروى الأعمش عن وثاب وعميت بالواو الخفيفة وقرأ أبي والسلمي والحسن وغيرهم فعماها عليكم على أن الفعل لله تعالى وقريء بالتصريح به وظاهر ذلك مع أهل السنة القائلين بأن الحسن والقبيح منه تعالى ولذا أوله الزمخشري حفظا لعقيدته أنلزمكموها أي أنكرهكم على الإهتداء بها وهو جواب أرأيتم وساد مسد جواب الشرط