فتخبط في مسلكه فوقع في مهاوي الردى ولم يجد إلى مقصده سبيلا وينتزع من حال الفريق الثاني في استعمال مشاعرهم في آيات الله تعالى حسبما ينبغي وفوزهم بدار الخلود هيئة تشبه بهيئة منتزعة ممن له بصر وسمع يستعملهما في مهماته فيهتدي إلى سبيله وينال مرامه ولا يخفى أنه خلاف الظاهر ولعل أظهر الإحتمالات ما أشير إليه أولا والكلام من باب اللف والنشر واللف إما تقديري إن اعتبر في الفريقين لأنه في قوة الكافرين والمؤمنين أو تحقيقي إن اعتبر فيما دل عليه قوله تعالى : ومن أظلم ممن افترى إلخ وقوله سبحانه : إن الذين آمنوا الآية وأمر النشر ظاهر ولا يخفى ما فيه من الطباق بين الأعمى والبصير وبين الأصم والسميع وقدم ما للكافرين قيل : مراعاة لما تقدم ولأن السياق لبيان حالهم وقدم الأعمى على الأصم لكونه أظهر وأشهر في سوء الحال منه .
وفي البحر إنما لم يجيء التركيب كالأعمى والبصير والأصم والسميع ليكون كل من المتقابلين على إثر مقابله لأنه تعالى لما ذكر إنسداد العين أتبعه بإنسداد السمع ولما ذكر إنفتاح البصر أتبعه بإنفتاح السمع وذلك هو الأسلوب في المقابلة والأتم في الإعجاز وسيأتي إن شاء الله تعالى نظير ذلك في قوله سبحانه : إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ثم الظاهر مما تقدم أن الكلام على حذف مضاف وهو مجرور بالكاف والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع خبرا عن مثل .
وجوز أن تكون الكاف نفسها خبرا لمبتدأ ويكون معناها معنى المثل ولا حاجة إلى تقدير مضاف أي مثل الفريقين مثل الأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان يعني الفريقين المذكورين والإستفهام إنكاري مذكر على ما قيل : لما سبق من إنكار المماثلة في قوله سبحانه : أفمن كان على بينة من ربه إلخ مثلا أي حالا وصفة ونصبه على التمييز المحول عن الفاعل والأصل هل يستوي مثلهما .
وجوز ابن عطية أن يكون حالا وفيه بعد أفلا تذكرون .
24 .
- أي أتشكون في عدم الإستواء وما بينهما من التباين أو تغفلون عنه فلا تتذكرونه بالتأمل فيما ذكر لكم من المثل فالهمزة للإستفهام الإنكاري وهو وارد على المعطوفين معا أو أتسمعون هذا فلا تتذكرون فيكون الإنكار واردا على عدم التذكر بعد تحقق ما يوجب وجوده وهو المثل المضروب أي أفلا تفعلون التذكر أو أفلا تعقلون ومعنى إنكار عدم التذكر إستبعاده من المخاطبين وأنه مما لا يصح أن يقع وليس من قبيل الإنكار في أفمن كان على بينة من ربه و هل يستويان فإن ذلك لنفي المماثلة ونفي الإستواء ثم إنه تعالى شرع في ذكر قصص الأنبياء الداعين إلى الله تعالى وبيان حالهم مع أممهم ليزداد صلى الله تعالى عليه وسلم تشميرا في الدعوة وتحملا لما يقاسيه من المعاندين فقال عز من قائل : ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه الواو إبتدائية واللام واقعة في جواب قسم محذوف ويقدر حرفه ياء لا واو وإن كان هو الشائع لئلا يجتمع واوان وبعضهم يقدرها ولا يبالي بذلك .
ونوح في المشهور ابن لمك بن متوشلخ بن إدريس عليه السلام وأنه أول نبي بعث بعده قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : بعث عليه السلام على رأس أربعين من عمره ولبث يدعو قومه ما قص الله تعالى ألف سنة إلا خمسين عاما وعاش بعد الطوفان ستين سنة وكان عمره ألفا وخمسين سنة وقال مقاتل : بعث وهو ابن مائة سنة وقيل : ابن خمسين وقيل : ابن مائتين وخمسين ومكث يدعو قومه ما قص سبحانه وعاش بعد