أفمن كان على بينة من ربه الآية لتبين ما بينهما من التباين البين حالا ومآلا فقال عز من قائل : إن الذين آمنوا أي صدقوا بكل ما يجب التصديق به من القرآن وغيره ولا يكون ذلك إلا بإستماع الحق ومشاهدة الآيات الآفاقية والأنفسية والتدبر فيها أو المعنى فعلوا الإيمان واتصفوا به كما في فلان يعطي ويمنع وعملوا الصالحات أي الأعمال الصالحات ولعل المراد بها ما يشمل الترغيب في سلوك سبيل الله D ونحوه مما على ضده فريق الكفار وأخبتوا إلى ربهم أي إطمأنوا إليه سبحانه وخشعوا له وأصل الإخبات نزول الخبت وهو المنخفض من الأرض ثم أطلق على إطمئنان النفس والخشوع تشبيها للمعقول بالمحسوس ثم صار حقيقة فيه ومنه الخبيت بالتاء المثناة للدنيء وقيل : إن التاء بدل من الثاء المثلثة أولئك المنعوتون بتلك النعوت الجليلة الشأن أصحاب الجنة هم فيها خالدون .
23 .
- دائمون أبدا وليس المراد حصر الخلود فيهم لأن العصاة من المؤمنين يدخلون الجنة عند أهل الحق ويخلدون فيها ولعل من يدعي ذلك يريد بنفي الخلود عن العصاة نقصه من أوله كما قيل به فيما ستسمعه إن شاء الله تعالى مثل الفريقين المذكورين من المؤمنين والكفار أي حالهما العجيب وأصل المثل كالمثل النظير ثم استعير لقول شبه مضربه بمورده ولا يكون إلا لما فيه غرابة وصار في ذلك حقيقة عرفية ومن هنا يستعار للقصة والحال والصفة العجيبة .
كالأعمى والأصم والبصير والسميع أي كحال من جمع بين العمى والصمم ومن جمع بين البصر والسمع فهناك تشبيهان : الأول تشبيه حال الكفرة الموصوفين بالتعامي والتصام عن آيات الله تعالى بحال من خلق أعمى أصم لا تنفعه عبارة ولا إشارة والثاني تشبيه حال الذين آمنوا وعملوا الصالحات فانتفعوا بأسماعهم وأبصارهم إهتداءا إلى الجنة وإنكفاءا عما كانوا خابطين فيه من ضلال الكفر والدجنة بحال من هو بصير سميع يستضيء بالأنوار في الظلام ويستفيء بمغانم الإنذار والأبشار فوزا بالمرام والعطف لتنزيل تغاير الصفات منزلة تغاير الذوات كما في قوله : يا لهف زيابة للحرث الص .
ابح فالغانم فالآيب ويحتمل أن يكون هناك تشبيهات بأن يعتبر تشبيه حال كل من الفريقين الفريق الكافر والفريق المؤمن بحال إثنين أي من الفريقين الكافر كالأعمى ومثله أيضا كالأصم ومثل الفريق المؤمن كالبصير ومثله أيضا كالسميع وقد يعتبر تنويع كل من الفريقين إلى نوعين فيشبه نوع من الكفار بالأعمى ونوع منهم بالأصم ويشبه نوع من المؤمنين بالبصير ونوع منهم بالسميع واستبعد ذلك إذ تقسيم الكفار إلى مشبه بالأول ومشبه بالثاني وكذلك المؤمنون غير مقصود البتة بدليل نظائره في الآيات الأخر كقوله سبحانه : وما يستوي الأعمى والأصم وكقوله تعالى : ختم الله على قلوبهم في الكفار الخلص وقوله تبارك وتعالى : صم بكم عمي في المنافقين وللآية على إحتمالاتها شبه في الجملة بقول أمريء القيس : كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي فتدبره وقد يعتبر التشبيه تمثيليا بأن ينتزع من حال الفريق الأول في تصامهم وتعاميهم المذكورين ووقوعهم بسبب ذلك في العذاب المضاعف والخسران الذي لا خسران فوقه هيئة منتزعة ممن فقد مشعري البصر والسمع