والإستعارة ولا يصح إرادة المعنى الحقيقي لأنه إنما يكون لمن لا يعرف عواقب الأمور .
وقيل : إنه مجاز مرسل عن العلم للتلازم بين العلم والإختبار وهو محوج إلى تكلف أن يراد ليظهر تعلق علمه الأزلي وإلا فالعلم القديم الذاتي ليس متفرعا على غيره وما تقدم لا تكلف فيه وهو مع بلاغته مصادف محزه والمراد بالعمل ما يشمل عمل القالب ويؤيد ذلك ما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم في التاريخ وابن مردوية عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : تلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هذه الآية ليبلوكم إلخ فقلت : ما معنى ذلك يا رسول الله قال : ليبلوكم أيكم أحسن عقلا ثم قال : وأحسنكم عقلا أورعكم عن محارم الله تعالى وأعملكم بطاعة الله تعالى لكن ذكر الحافظ السيوطي أن سنده واه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان أن معنى أحسن عملا أزهد في الدنيا وعن مقاتل أتقى لله تعالى وعن الضحاك أكثرهم شكرا ولعل أخذ العمل شاملا للأمرين أولى وأفضلها ما كان عمل القلب كيف لا ومدار العبادة القالبية الواجبة على العباد معرفة الله تعالى التي تحل القلب وقد يرفع به للعبد في يوم مثل عمل أهل الأرض .
وفي بعض الآثار تفكر ساعة يعدل عبادة سبعين سنة وإعتبار خلق السموات في ضمن المفرع عليه لما أن في السموات مما هو مبادي النظر وتهيئة أسباب المعاش الأرضية التي بها قوام القالب ما لا يخفى وقريب من هذا أن ذكر السموات وخلقها لتكون أمكنة الكواكب والملائكة العاملين فيها لأجل الإنسان .
وقال بعض المحققين : إن كون خلق الأرض و ما فيها للإبتلاء ظاهر وأما خلق السموات فذكر تتميما وإستطرادا مع أن السموات مقر الملائكة لحفظة وقبلة الدعاء ومهبط الوحي إلى غير ذلك مما له دخل في الإبتلاء في الجملة ولعل ما أشير إليه أولا أولى وجملة الإستفهام في موضع المفعول الثاني لفعل البلوى على المشهور وجعل في الكشاف الفعل هنا معلقا لما فيه من معنى العلم ومنع في سورة الملك تسمية ذلك تعليقا مدعيا أنه إنما يكون إذا وقع بعد الفعل ما يسد مسد المفعولين جميعا كعلمت أيهما فعل كذا وعلمت أزيد منطلق وبين كلاميه في السورتين إضطراب بحسب الظاهر وأجاب عنه في الكشف بما حاصله أن للتعليق معنيين : مصطلح ويعدى بعن وهو المنفي في تلك السورة ولغوي ويعدى بالباء وعلى وهو خاص بفعل القلب من غير تخصيص بالسبعة المتعدية إلى مفعولين ولا يكون إلا في الإستفهام خاصة دون ما فيه لام الإبتداء ونحوه ومعنى تعليق الفعل على ما فيه ذلك أن يرتبط به معنى وإعرابا سواء كان لفظا أو محلا وهو المثبت ههنا وقال الطيبي : يمكن أن يكون ههنا على إضمار العلم كأنه قيل : ليبلوكم فيعلم أيكم أحسن عملا والتعليق فيه ظاهر وما هناك على تضمين الفعل معنى العلم كأنه قيل : ليعلمكم أيكم إلخ فيصح النفي ولا يخفى على من راجع كلامه أن فيه ما يأبى ذلك وقد يقال : إن التعليق لا يختص بما كان من الأفعال بمعنى العلم كما ذهب إليه ثعلب والمبرد وابن كسيان وإن وجهه أويس بما في همع الهوامع ورجحه الشلوبين ولا بالفعل القلبي مطلقا بل يكون فيه وفي غيره مما ألحق به لكن مع الإستفهام خاصة وإقتصر بعضهم في الملحق على بصر وتفكر وسأل وزاد ابن خروف نظر ووافقه ابن عصفور وابن مالك وزاد الأخير نسي كما في قوله .
ومن أنتم إنا نسينا من أنتم .
ونازعه أبو حيان بأن من تحتمل الموصولية والعائد محذوف أي من هم أنتم وكذا زاد أيضا ما قارب المذكورات من الأفعال التي لها تعلق بفعل القلب كترى البصرية في قوله : أما ترى أي برق هنالك وكيستنبئون في قوله تعالى :