لأنهم إذا لم يقولوا به مع إنكار الوجود الذهني يلزمهم القول بتعلق العلم بالمعدوم الصرف وامتناعه من أجل البديهيات والإنكار مكابرة أو جهل بمعنى التعلق بالمعدوم الصرف وقد أورد ذلك عليهم المحقق الدواني وهو ناشىء على ما قيل عن الذهول عن معنى إنكار الوجود الذهني وبعد تحقيق المراد منه يندفع ذلك .
وبيانه أنه ليس معنى إنكارهم ذلك أنه لا يحصل صورة عند العقل إذا تصورنا شيئا أو صدقنا به لأن حصولها عنده في الواقع بديهي لا ينكره إلا مكابر وكيف ينكره الجمهور والعلم الحادث مخلوق عندهم والخلق إنما يتعلق بأعيان الموجودات بل هو بمعنى أن ذلك الحصول ليس نحوا آخر من وجود الماهية المعلومة بأن يكون لماهية واحدة كالشمس مثلا وجودان أحدهما خارجي والآخر ذهني كما يقول به مثبتوه فهم لا ينكرون الوجود عن صور الأشياء وأشباحها وهي موجودات خارجية وكيفيات نفسانية وهي المخلوقة عندهم وإنما ينكرون الوجود الذهني عن أنفس تلك الأشياء وذلك بشهادة أدلتهم حيث قالوا لو حصلت النار في الأذهان لاحترقت الأذهان بتصورها واللازم باطل فإنه كما ترى إنما ينفي الوجود عن نفس النار لا عن شبحها ومثالها فالحق أن الجمهور إنما أنكروا ما ذهب إليه محققوا الحكماء من أن الحاصل في الأذهان أنفس ماهيات الأشياء ولم ينكروا ما ذهب إليه أهل الأشباح وحينئذ يقال علم الواجب عندهم إما تعلقه بأشباح الأشياء أو صفة ذات ذلك التعلق فلا يلزمهم القول بما قاله الشرذمة ولا يتجه عليهم أن التعلق بتلك الأشباح الموجودة في الأزل لكونه نسبة بينها وبينه تعالى متأخر عنها فيلزم إيجاد تلك الأشباح بلا علم وهو محال لأنا نقول لما كان الواجب تعالى موجبا في علمه وسائر صفاته الذاتية كان وجود تلك الصور الإدراكية التي هي تلك الأشباح مقتضى ذاته تعالى فلا بأس في كونها سابقة على العلم بالذات وإنما المسبوق بالعلم هو أفعاله الاختيارية ثم ينبغي أن يعلم أنه ليس معنى قولهم إن علم الواجب تبارك وتعالى بالأشياء أزلي وتعلقه بها حادث أنه ليس هناك إلا تعلق حادث لأنه يلزم حدوث نفس العلم فيعود ما ارتكبه الشرذمة للقطع بأنه لا يصير المعلوم معلوما قبل تعلق العلم به وهو من الفساد بمكان بل معناه أن التعلق الذي لا تقتضيه حقيقة العلم حادث وهناك تعلق تقتضيه تلك الحقيقة وهو قديم وذلك لأن الأشباح والأمثال معلومة بالذات وبواسطتها تعلم الأشياء فتعلق العلم عندهم أعم من تعلقه بذات الشيء المعلوم أو بمثاله وشبحه ولما لم يكن وجود الحوادث في الأزل كان العلم الممكن بالنسبة إليها بالتعلق بأمثالها وأشباحها وبعد حدوثها يتجدد التعلق بأن يكون بذات تلك الحوادث وبالجملة تعلق العلم بأمثال الحوادث وأشباحها أزلي وبأنفسها وذواتها حادث ولا إشكال فيه أصلا وبهذا التحقيق يندفع شبهات كثيرة كما قيل لكن أورد عليه أن برهان التطبيق جار في هاتيك الأشباح لما أنها متميزة الآحاد في نفس الأمر فيلزم أحد المحذورين .
وفي المقام ابحاث طويلة الذيل وقد بسط الكلام في ذلك مولانا اسمعيل أفندي الكلنبوي في حواشيه على شرح العضدية وللمولى الشيخ إبراهيم الكورانى تحقيق على طرز آخر ذكره في كتابه مطلع الجود فارجع إليه وبالجملة لا تخفي صعوبة هذه المسئلة وهي مما زلت فيها أقدام أقوام ولعل الله سبحانه يرزقك تحقيقها بمنه سبحانه وقد قال به افضل المتأخرين مولانا اسمعيل أفندي الكلنبوى .
تم الجزء الحادى عشر بحول الله وقوته ويليه الجزء الثاني عشر وأوله وما من دابة 12