كما فسر به قراءة الجمهور وعن مجاهد وكذا عروة الأعشى أنه قرأ تثنئن كتطمئن وأصله يثنان فقلبت الألف همزة مكسورة رغبة في عدم التقاء الساكنين وإن كان على حده ويقال في ماضيه اثنأن كاحمأر وابيأض وقيل أصله تثنون بواو مكسورة فاستثقلت الكسرة على الواو فقلبت همزة كما قيل في وشاح إشاح وفي وساة إسادة فوزنه على هذا تفوعل وعلى الأول تفعال ورجح باطراده وهو من الثن الكلأ الضعيف أيضا وقرىء تثنوى كترعوى ونسب ذلك إلى ابن عباس أيضا وغلط النقل بأنه لا حظ للواو في هذا الفعل إذ لا يقال ثنوته فانثوى كرعوته فارعوى ووزن ارعوى من غريب الأوزان وفي الصحاح تقديره افعول ووزنه افعلل وإنما لم يدغم لسكون الياء وتمام الكلام فيه يطلب من محله وقرىء بغير ذلك وأوصل بعضهم القراءآت إلى ثلاث عشرة وفصلها في الدر المصون ومن غريبها أنه قرىء يثنون بالضم واستشكل ذلك ابن جني بأنه لا يقال أثنيته بمعنى ثنيته ولم يسمع في غير هذه القراءة وقال أبو البقاء لا يعرف ذلك في اللغة إلا أن يقال معناه عرضوها للانثناء كما تقول أبعت الفرس إذا عرضته للمبيع ألا حين يستغشون ثيابهم أي يجعلونها أغشية ومنه قول الخنساء .
... أرعى النجوم وما كلفت رعيتها ... وتارة أتغشى فضل أطماري ... .
وحاصله حين يأوون إلى فراشهم ويلتحفون بما يلتحف به النائم وهو وقت كثيرا ما يقع فيه حديث النفس عادة عن ابن شداد حين يتغطون بثيابهم للاستخفاء وأيا ما كان فالمراد من الثياب معناه الحقيقي وقيل المراد به الليل وهو يستر كما تستر الثياب ومن مثل ذلك قولهم الليل أخفى للويل والظرف متعلق بقوله سبحانه يعلم أي ألا يعلم ما يسرون وما يعلنون حين يستغشون ثيابهم ولا يلزم منه تقييد علم الله تعالى بذلك الوقت لأن من يعلم فيه يعلم في غيره بالطريق الأولى وجوز تعلقه بمحذوف وقدره السمين وأبو البقاء يستخفون وبعضهم يريدون وما في الموضعين إما مصدرية أو موصولة عائدها محذوف أي الذي يسرونه في قلوبهم والذين يعلنونه أي شيء كان ويدخل ما يقتضيه السياق دخولا أوليا وخصه بعضهم به وقدم هنا السر على العلن نعيا عليهم من أول الأمر ما صنعوا وإيذانا بافتضاحهم ووقوع ما يحذرونه وتحقيقا للمساواة بين العلمين على أبلغ وجه فكأن علمه سبحانه بما يسرونه أقدم منه بما يعلنونه وحاصل المعنى يستوي بالنسبة إلى علمه المحيط سرهم وعلنهم فكيف يخفى عليه سبحانه ما عسى أن يظهروه .
وقرأ ابن عباس على حين يستغشون قال ابن عطية ومن هذا الاستعمال قول النابغة .
... على حين عاتبت المشيب على الصبا ... .
إنه عليم بذات الصدور تلعيل لما سبق وتقرير له والمراد - بذات الصدور - الأسرار المستكنة فيها أو القلوب التي في الصدور وأيا ما كان فليست الذات مقحمة كما في ذات غدوة ولا من إضافة المسمى إلى اسمه كما توهم أي أنه تعالى مبالغ في الإحاطة بمضمرات جميع الناس وأسرارهم أو بالقلوب وأحوالها فلا يخفى عليه سر من أسرارها فكيف يخفى عليه ما يسرون وما يعلنون وكان التعبير بالجملة الإسمية للإشارة إلى أنه سبحانه لم يزل عالما بذلك وفيه دليل على أنه تعالى يعلم الأشياء قبل وجودها الخارجي وهذا مما لا ينكره أحد سوى شرذمة من المعتزلة قالوا إنه تعالى إنما يعلم الأشياء بعد حدوثها تعالى عن ذلك علوا كبيرا ولا يلزم هذا بعض المتكلمين المنكرين للوجود الذهني