وأورد عليه أيضا أنه ينافي غرض البعثة وهو الدعوة إلى الإيمانوالهدى ولا يخفى أن دفع هذا يعلم مما قدمنا آنفا وأما وجه إنتظامالكلام فهو كما قال غير واحد : إن موسى عليه السلام ذكر قوله : إنك آتيت إلخ تنهيدا للتخلص إلى الدعاء عليهم أي أنك أوليتهم هذهالنعمة ليعبدوك ويشكروك فما زادهم ذلك إلا طغيانا وكفرا وإذا كانت الحال هذه فليضلوا عن سبيلك ولو دعا إبتداء لم يحسن إذ ربما لم يعذرفقدم الشكاية منهم والنعي بسوء صنيعهم ليتسلق منه إلى الدعاء مع مراعاة تلازم الكلام من إيراد الأدعية منسوقة نسقا واحدا وعدم الإحتياج إلى الإعتذار عن تكرير النداء كما إحتاج القول بالتعليل إلى الإعتذارعنه بأنه للتأكيد وللإشارة إلى أن المقصود عرض ضلالهم وكفرانهم تقدمة للدعاء عليهم بعد وإدعى الطيبي أنه لا مجال للقول بالإعتراض لأنه إنمايحسن موقعه إذا إلتذت النفس بسماعه ولذا عيب قول النابغة .
لعل زيادا لا أبالك غافل .
وفي كلامه ميل إلى القول بأن اللام للدعاء وهو لدى المنصف خلاف الظاهر وما ذكروه له لا يفيده ظهورا .
وقرىء ليضلوا بضم الياء وفتحها ربنا إطمس على أموالهم أي أهلكها كما قال مجاهد فالطمس بمعنى الإهلاك وفعله من باب ضرب ودخل ويشهد له قراءة إطمس بضم الميم ويتعدى ولا يتعدى وجاء بمعنى محو الأثر والتغيير وبهذا فسره أكثر المفسرين قالوا : المعنى ربنا غيرها عن جهة نفعها إلى جهة لا ينتفع بها .
وأنت تعلم أن تغييرها عن جهة نفعها إهلاك لها أيضا فلا ينافي ما أخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك أنه بعد هذا الدعاء صارت دراهمهم ودنانيرهم ونحاسهم وحديدهم حجارة منقوشة وعن محمد القرظي قال : سألني عمر بن عبدالعزيز عن هذه الآية فأخبرته أن الله تعالى طمس على أموال فرعون وآل فرعون حتى صارت حجارة فقال عمر : مكانك حتى آتيك فدعا بكيس مختوم ففكه فإذا فيه البيضة مشقوقة وهي حجارة وكذاالدراهم والدنانيروأشباه ذلك وفي رواية عنه أنه صار سكرهم حجارةوأن الرجل بينما هو مع أهله إذ صارا حجرين وبينما المرأة قائمة تخبزإذ صارت كذلك وهذا مما لا يكاد يصح أصلا وليس في الآية ما يشير إليهبوجه وعندي أن أخبار تغيير أموالهم إلى الحجارة لا تخلو عن وهن فلايعول عليها ولعل الأولى أن يراد من طمسها إتلافها منهم على أتم وج والمراد بالأموال ما يشمل الزينة من الملابس والمراكب وغيرها واشدد على قلوبهم أي إجعلها قاسية وإطبع عليها حتى لا تنشرح للإيمان كما هوقضية 4 شأنهم فلا يؤمنوا جواب للدعاء أعنى اشدد دون إطمس فهو منصوب ويحتمل أن يكون دعاء بلفظ النهي نحو إلهي لا تعذبني فهو مجزوم وجوز أن يكون عطفا على ليضلوا وما بينهما دعاء معترض فهو حينئذ منصوب أو مجزوم حسبما علمت من الخلاف في اللام حتى يروا العذاب الأليم 88 أي يعاينوه ويوقنوا به بحيث لا ينفعهم ذلك إذ ذاك والمرادبه جنس العداب الأليم وأخرج غير واحد عن ابن عباس تفسيره بالغرق .
وإستدل بعضهم بالآية على أن الدعاء على شخص بالكفر لا يعد كفرا إذا لميكن على وجه الإستيجاز والإستحسان للكفر بل كان على وجه التمني لينتقمالله تعالى من ذلك الشخص أشد إنتقام وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام خواهرزاده فقولهم : الرضا بكفر الغير ليس على إطلاقه عنده بل هو مقيد بما إذا