أتقولون على الله ما تعملون 68 من التوبيخ والتقريع على جهلهم وإختلاقهم وفي الآية دليل على أن كل قول لا دليل عليه فهو جهالة وأن العقائد لا بد لها من قاطع وأن التقليد بمعزل من الإهتداء ولا تصلح متمسكا لنفي القياس و العمل بخبر الآحاد لأن ذلك في الفروع وهي مخصوصة بالأصول لما قام من الأدلة على تخصيصها وإن عم ظاهرها .
قل تلوين للخطاب وتوجيه له إلى سيد المخاطبين صلى الله عليه وسلّم ليبين سوء مغبتهم ووخامة عاقبتهم وفي ذلك إنذار لهم عن الإستمرار على ما هم فيهولغيرهم عن الوقوع في مثله إن الذين يفترون على الله الكذب في كل أمر ويدخل الإفتراء بنسبة الولد والشريك إليه تعالى دخولا أوليا وهو أولى من الإقتصار على ما الكلام فيه وحينئذ فالمراد بالموصول ما يعم أولئك المخاطبين وغيرهم أي إن من تكون هذه صفتهم كائنا ما كانوا لا يفلحون 69 لا ينجون من مكروه ولا يفوزون بمطلوب أصلا ويندرج في ذلك عدم النجاة من النار وعدم الفوز بالجنة والإقتصار عليهفي مقام المبالغة في الزجر عن الإفتراء عليه سبحانه دون التعميم فيالمناسبة .
متاع في الدنيا خبر مبتدأ محذوف أي هو أو ذلك متاع والتنوين للتحقير والتقليل والظرف متعلق بما عنده بمحذوف وقع نعتا له والجملة كلام مستأنف سيق جوابا لسؤال مقدر عما يتراءى فيهم بحسب الظاهر من نيل المطالب والفوز بالحظوظ الدنيوية على الإطلاق أوفي ضمن إفترائهم وبيانا لأن ذلك بمعزل من أن يكون من جنس الفلاح كأنه قيل : كيف لا يفلحون وهم في غبطة ونعيم فقيل : هو أو ذلك متاع حقير قليلفي الدنيا وليس بفوز بالمطلوب ثم أشير إلى إنتفاء النجاة عن المكروه أيضا بقوله سبحانه : ثم إلينا مرجعهم أي إلى حكمنا رجوعهم بالموت فيلقون الشقاء المؤبد ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون 70 أي بسبب كفرهم المستمر أو بكفرهم في الدنيا فأين هم من الفلاح وما ذكرنا من كون متاع خبر كبتدأ محذوف هو الذي ذهب إليهغير واحد من العربين غير أن أبا البقاء وآخرين منهم قدروا المبتدأ حياتهم أو تقلبهم أو إفتراؤهم وإعترض على تقدير الأخير بأن المتاع إنما يطلق على ما يكون مطبوعا عند النفس مرغوبا فيه في نفسه يتمتع به وينتفع وإنما عدم الإعتداد به لسرعة زواله ونفس الإفتراء عليه سبحانه أقبح القبائح عند النفس فضلا عن أن يكون مطبوعا عندها وأجيب بأن إطلاق المتاع على ذلك بإعتبار أنه مطبوع عند نفوسهم الخبيثة وفيه إنتفاع لهم به حسبما يرونه إنتفاعا وإن كان من أقبح القبائح وغير منتفع به في نفس الأمر ولا يخفى أن الوجه الأول مع هذا أوجه وقيل إن المذكور مبتدأ محذوف الخبر أي لهم متاع إلخ وليس ببعيد والآية إما مسوقة من جهته سبحانه لتحقيق عدم إفلاحهم غير داخلة في الكلام المأمور به وهو الذي يقتضيه ظاهر قوله سبحانه : ثم إلينا مرجعهم وقوله تعالى : ثم نذيقهم وإما داخلة فيه على أن النبي A مأمور بنقله وحكايته عنه تعالى شأنه وله نظائر في الكتاب العزيز واتل عليهم أي على المشركين من أهل مكة وغيرهم لتحقيق مسبق من عدم إفلاح المفترين وكون ما يتمتعون به على جناح الفوات وأنهم مشرفون على الشقاء المؤبد والعذاب الشديد نبأ نوح أي خبره الذي له شأن وخطرمع قومه الذين هم أضراب قومك في الكفر والعناد