يكن متصفا بذلك بقي الكلام في منافاة الوقوع الاتصاف قبل فان قيل : إنه مناف له بمعنى أنه لذلك لم يكن متصفا قبل بما هو إيمان وتقوى عند الناس فلا شبهة أيضا في عدم المنافاة بهذا المعنى وهو ظاهر وإن قيل : إنه مناف له بمعنى أنه لم يكن لذلك متصفا بما ذكر عند الله تعالى بناء على أن المراد بالتقوى التي هي شرط الولى التقوى الكاملة التي يترتب عليها حب الله تعالى المترتب عليه الحفظ كما أشير اليه فيما رواه البخاري من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله ص 9 ان الله تعالى قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وماتقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ولا زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فاذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها الحديث .
وقد قال غير واحد في معنى الشرطية فاذا أحببته كنت حافظا حواسه وجوارحه فلا يسمع ولا يبصر ولا يأخذ ولا يمشي إلا فيما أرضى وأحب وينقلع عن الشهوات ويستغرق في الطاعات وقريب منه قول الخطابي : المراد من ذلك توفيقه في الاعمال التي يباشرها بهذه الاعضاء يعني ييسره عليه فيها سبيل مايحبه ويعصمه عن موافقة مايكرهه من إصغاء إلى لهو يسمعه ونظر إلى مانهى عنه ببصره وبطش بما لايحل بيده وسعى في باطل برجله وكذا قول بعضهم المعنى أجعل سلطان حبي غالبا عليه حتى أسلب عنه الاهتمام بشيء غير مايقربه إلي فيصير متخليا عن اللذات متجنبا عن الشهوات متى ما يتقلب وأينما يتوجه لقى الله تعالى بمرأى فيه ومسمع منه ويأخذ حب الله تعالى مجامع قلبه فلا يسمع ولا يرى ولا يفعل إلا مايحبه ويكون له في ذلك عونا ومويدا ووكيلا يحمى جوارحه وحواسهفله وجه لأنه إذا وقعت المعصية يعلم أنه لم يكن محفوظا وبه يعلم أنه لم يكن محبوبا وبذلك يعلم أنه لم يكن متقربا اليه تعالى شأنه ومتقيا إياه تقاته وان ظنه الناس كذلك فهو ليس من اوليائه سبحانه في نفس الامر نعم من اتصف بصفات الأولياء ظاهرا يجب تعظيمه واحترمه والتأدب معه والكف عن إيذائه بشيء من أنواع الايذاء التي لامسوغ لها شرعا كالانكار عليه عنادا أو حسدا دون المنازعة في محاكمة أو خصومة راجعة لاستخراج حق أو كشف غامض ونحو ذلك لما دل عليه الحديث السابق المشتمل من تهديد المؤذى على الغاية القصوى والحكم على من ذكره لولاية إذ لم يكن هناك نص من معصوم على مايدل على تحققها في نفس الامر إنما هو بالنظر إلى الظاهر لا إلى ماعند الله تعالى لما أن من الذنوب مالايمكن أن يطلع عليه إلا علام الغيوب ومنها الذنوب القلبية التي هي أدواء قاتلة وسموم ناقعة مع ان الأعمال بخواتيمها وهي مجهولة إلا للمبدىء المعيد جل جلاله هذا وهو تحقيق يلوح عليه مخايل القبول ومن الناس من قسم الولاية إلى صغرى قد يقع فيها الذنب على الندرة لكن يبادر للتنصل منه فورا وعد العلامة ابن حجر عليه الرحمة من وقع منه الذنب كذلك فبادر للتنصل منه محفوظا فالوقوع عنده على المندرة مع المبادرة للتنصل لا ينافي الحفظ وإنما ينافيه تكرر الوقوع وكثرته وكذا ندرته مع عدم المبادرة للتنصل وكبرى لا يقع فيها الذنب أصلا مع إمكان الوقوع ولو قيل أو مع استحالته كما في ولاية الأنبياء عليهم السلام وادعى ان ذلك من خصوصيات ولا يتهم فيكون الحفظ أعم من العصمة لم يبعد وأنت تعلم أن قولهم الأنبياء معصومون ظاهر في كون العصمة من توابع النبوة ومعللة بها وهو مخالف لتلك الدعوى كما لايخفى وماذكر من التقسيم حسن ويعلم منه أن الكثير ممن يدعى الولاية في زماننا أو تدعى له ليس له منها سوى الدعوى لاصراره والعياذ بالله تعالى على كبائر تقع منه في اليوم مرارا عافانا الله تعالى والملسمين من ذلك وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلّم في تفسير