ما يوجب ذلك أصلا لا أنه يعتريهم لكنهم لا يخافون ولا يحزنون ولا أنه لايعتريهم خوف وحزن أصلا بل يستمرون على النشاط والسرور وكيف لاوإستعشعار الخوف إستعطاما لجلال الله تعالى وإستقصارا للجد والسعي فيإقامة حقوق العبودية من خصائص الخواص والمقربين بل كلما إزداد العبد قربا من ربه سبحانه إزداد خوفا وخشية منه سبحانه ويرشد إلى ذلك غير ما خبر وقوله تعالى : إنما يخشى الله من عباده العلماء وإنما لايعتريهم ذلك لأن مقصدهم ليس إلا الله تعالى ونيل رضوانه المستتبع للكرامة والزلفى وذلك مما لا ريب في حصوله ولا إحتمال لفواته بموجب الوعد الإلهي وأما ما عدا ذلك من الأمور الدنيوية المترددة بين الحصول والفوات فهي عندهم أحقر من ذبالة عند الحجاج بل الدنيا بأسرها في أعينهم أقذر من ذراع خنزير ميت بال عليه كلب في يد محذومفهيهات أن تنتظم في سلك مقصدهم وجودا وعدما حتى يخافوا من حصول ضارها أو يحزنوا من فوات نافعها وقيل : المراد بإنتفاء الخوف والحزن أمنهم من ذلك يوم القيامة بعدتحقق ما لهم من القرب والسعادة وإلا فالخوف والحزن يعرضان لهم قبل ذلك سواء كان سببهما دنيويا أو أخرويا ولا يجوز أن يراد أمنهم مما ذكر في الدنيا أو فيما يعمها والآخرة لأن في ذلك أمنا من مكر الله تعالى ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وهذا مبني على أن الخوف المنفي مسند إليهم وليس بالمتعين فقد ذهب بعض الجلة إلى أنه مسند إلى غيرهم أي غيرهم لا يخاف عليهم ولا يلزم من ذلك أنهم لا يخافون ليجيء حديث لزوم الأمن وجعل ذلك نكتة إختلاف أسلوب الجملتين والعدول عن لاهميخافون الأنسب بلادهم يحزنون إلى ما في النظم الجليل وقد يقال : إذا كان المراد أنهم لا يعتريهم ما يوجب الخوف والحزن لا يبقى لحديث لزوم الأمن من مكر الله تعالى مجال على ما لا يخفى على المتدبر لكن لا يظهرعليه نكتة إختلاف أسلوب الجملتين وكونها إختلاف شأن الخوف والحزنبشيوع وصف الأخير بعدم الثبات كما قيل .
فلا حزن يدوم ولا سرور .
دونالأول ولذا ناسب أن يعبر بالإسم في الأول وبالفعل المفيد للحدوثوالتجدد في الثاني كما ترى .
وقيل : إن المراد نفي إستيلاء الخوف عليهم ونفي الحزن أصلا ومفاد ذلك إتصافهم بالخوف في الجملة ففيه إشارة إلى أنهم بين الرجاء والخوف غير آيسين ولا آمنين ولهذا لم يؤت بالجملتين على طرز واحد وكذا لم يقل لا خوف لهم مثلا والأوجه عندي ما نقل عن بعض الجلة من أن معنى لا خوف عليهم لا يخاف عليهم غيرهم ويجعل الجملة الأولى عليه كناية عن حسن حالهم وأنت في الجملة الثانية بالخيار والخوف على ما قال الراغب توقع المكروه وضده الأمن والحزن من الحزن بالفتح وهو خشونةفي النفس لما يحصل من الغم ويضاده الفرح وعلى هذا قالوا في بيان المعنى لا خوف عليهم من لحوق مكروه ولاهم يحزنون من فوات مأمول الذين آمنوا أي بكل ما جاء من عند الله تعالى وكانوا يتقون 63 عما يحق الإتقاء منه من الأفعال والتروك إتقاء دائما حسبما يفيده الجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل والموصولفي محل الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف والجملة إستئناف بياني كأنه قيل : من أولئك وما سبب فوزهم بما أشار إليه الكلام السابق فقيل : هم الذين جمعوا بين الإيمان والتقوى المفضيين إلى كل خيرالمجنبين عن كل شر ولك أن تقصر في السؤال على من أولئك فيكون ذلك بيانا وتفسيرا للمراد من الأولياء فقط وعلى هذا مع الإشارة إلى ما به نالوا مالوا وقيل : محله النصب أو الرفع على المدح أو علىأنه وصف للأولياء ورد بأن الفصل بين الصفة والموصوف بالخبر وقد