الجليل هو الخبر و ربكم بدل منه أو بيان له و الحق صفة الرب أي مالككم ومتولي أموركم الثابت ربوبيته والمتحقق ألوهيته تحققا لا ريب فيه فماذا بعد الحق إلا الضلال أي لا يوجد غير الحق شيء يتبع إلا الضلال فمن تخطى الحق وهو عبادة الله تعالى وحده لا بد وإن يقع في الضلال وهو عبادة غيره سبحانه على الإنفراد أو الإشتراك لأن عبادته جل شأنه مع الإشتراك لا يعتد بها فما إسم إستفهام و ذا موصول ويجوز أن يكون الكل إسما واحدا قد غلب فيه الإستفهام على إسم الإشارة وهو مبتدأ خبره بعد الحق على ما في النهر والإستفهام إنكاري بمعنى إنكار الوقوع ونفيه و بعد بمعنى غير مجاز والحق ما عملت وهو غير الأول ولذا أظهر وإطلاق الحق على عبادته سبحانه وكذا إطلاق الضلال على عبادة غيره تعالى لما أن المدار في العبادة الإعتقاد وجوز أن يكون الحق عبارة عن الأول والإظهار لزيادة التقرير ومراعاة كمال المقابلة بينه وبين الضلال والمراد به هو الأصنام والمعنى فماذا بعد الرب الحق الثابت ربوبيته إلا الضلال أي الباطل الضائع المضمحل وإنما سمي بالمصدر مبالغة كأنه نفس الضلال والضياع وقيل : المراد بالخحق والضلال مايعم التوحيد وعبادة غيره سبحانه وغير ذلك ويدخل ما يقتضيه المقام هنا دخولا أوليا ويؤيده ماأخرجه ابن أبي حاتم عن أشهب قال : سئل مالك عن شهادة اللعاب بالشطرنج والنرد فقال أما من أدمن فما أرى شهادتهم طائلة يقول الله تعالى : فماذا بعد الحق إلا الضلال فهذا كله من الضلال .
فأنى تصرفون 32 أي فكيف تصرفون عن الحق إلى الضلال والإستفهام إنكاري بمعنى إنكار الواقع وإستعباده والتعجب منه وفيه من المبالغة ما ليس في توجيه الإنكار إلى نفس الفعل فإنه لابد لكل موجود من أن يكون وجوده على حال من الأحوال فإذا إنتفى جميع أحوال وجوده فقد إنتفى وجوده على الطريق البرهاني والفاء لترتيب الإنكار والتعجب على ما قبله ولعل ذلك الإنكار والتعجب متوجهان في الحقيقة إلى منشأ الصرف وإلا فنفس الصرف منه تعالى على ما هو الحق فلا معنى لإنكاره والتعجب منه مع كونه فعله جل شأنه وإنما لم يسند الفعل إلى الفاعل لعدم تعلق غرض به وذهب المعتزلة أن فاعل الصرف نفسه المشركون فهم الذين صرفوا أنفسهم وعدلوا بها عن الحق إلى الضلال بناء على أن العباد هم الخالقون لأفعالهم وأمر الإنكار والتعجب عليه ظاهر وإنما لم يسند الفعل إلى ضميرهم على جهة الفاعلية إشارة إلى أنه بلغ من الشناعة إلى حيث أنه لاينبغي أن يصرح بوقوعه منهم فتدبر كذلك أي كما حقت كلمة الربوبية سبحانه وتعالى أو كما أنه ليس بعد الحق إلا الضلال أو كما أنهم مصرفون عن الحق حقت كلمت ربك أي حكمه على الذين فسقوا أي تمردوا في الكفر وخرجوا إلى أقصى حدوده والمراد بهم أولئك المخاسبون ووضع ضميرهم للتوصل إلى ذمهم بعنون الصلة وللإشعار بالعلية أنهم لايؤمنون 33 بدل من الكلمة بدل كل من كل أو بدل إشتمال بناء على أن الحكم بالمعنى المصدري أو بمعنى المحكوم به وقد تفسر الكلمة بالعدة بالعذاب فيكون هذا في موضع التعليل لحقيتها أي لأنهم إلخ وإعترض بأن محصل الآية حينئذ على ما تقرر في الذين فسقوا أن كلمة العذاب حقت على أولئك المتمردين لتمردهم في كفرهم ولأنهم لا يؤمنون وهو تكرار لا طائل تحته وأجييب بأنه لو سلم أن في الآية تكرارا مطلقا فهو تصريح بما علم ضمنا وفيه دلالة على شرف الإيمان بأن عذاب المتمردين في الكفر بسبب إنتفاء الإيمان قل هل من شركائكم من يبدؤا الخلق ثم يعيده إحتجاج آخر على حقية التوحيد