إن رسلنا إلتفاتا إذ لو أجري على قوله سبحانه : قل الله لقيل إنرسله فلا إشكال فيه من حيث أنه لا وجه لأمر الرسول صلى الله عليه وسلّم بأن يقول لهم إنرسلنا إذ الضمير لله تعالى لا له E بتقدير مضاف أي رسل ربنا أو بالإضافة لأدنى ملابسة كما قيل .
وقال بعضهم في الجواب : إنه حكاية ما قال الله تعالى على كون المراد أداء هذا المعنى لا بهذه العبارة .
وقرأ الحسن : ومجاهد يمكرون على لفظ الغيبة وروي ذلك أيضا عن نافع ويعقوب وفيه الجري على ما سبق من قوله سبحانه : مستهم و لهم والمناسب الخطاب كما قرأ الباقون إذا كانت الجملة داخلة في حيز القول إذ المعنى قل لهم ومناسبة الخطاب حينئذ ظاهرة وفيه أيضامبالغة في الإعلام بمكرهم وجعلها بعض المحققين على تلك القراءة وعدمدخولها في حيز القول تعليلا للإسراعية أو للأمر المذكور وصيغة الإستقبال في الفعلين للدلالة على الإستمرار والتجدد وكذا في قولهسبحانه : هو الذي يسيركم في البر والبحر وهو على ما قيل كلام مستأنف مسوق لبيان جناية أخرى لهم مبنية على ما مر آنفا من إختلاف حالهم بحسب إختلاف ما يعتريهم من الضراء وعن أبي مسلم أنه تفسيرلبعض ما أجمل في قوله سبحانه : وإذا أذ قنا الناس إلخ وهو قريبمن قول الإمام أنه تعالى لما قال : وإذا أذقنا الآية وهو كلام كلي ضرب لهم مثلا بهذا ليتضح ويظهر ما هم عليه .
وزعم بعضهم أنه متصل بما تقدم من دلائل التوحيد فكأنه قيل : إلهكم الذي جعل الشمس ضياءا والقمر نورا و هو الذي يسيركم إلخ وأول التسيير بالحمل على السير والتمكين منه والداعي لذلك قيل : عدم صحة جعل قوله سبحانه : حتى إذا كنتم في الفلك غاية للتسيير فيالبحر مع أنه مقدم عليه وغاية الشيء لا بد أن تكون متأخرة عنه وبعد التأويل لا إشكال في جعل ما ذكر غاية لما قبله .
وقيل : هو دفع لزوم الجمع بين الحقيقة والمجاز وذلك لأن المسير في البحر هو الله تعالى إذ هو سبحانه المحدث لتلك الحركات في الفلك بالريح ولا دخل للعبد فيه بل في مقدماته وأما سير البر فمن الأفعال الإختيارية الصادرة من المخاطبين أنفسهم إن كانوا مشاة أو من دوابهم إن كانوا ركبانا وتسيير الله تعالى فيه إعطاء الآلات والأدوات ولزومالجمع عليه ظاهر ووجه الدفع أن المراد من التسيير ما ذكر وهو معنى مجازي شامل للحقيقة والمجاز .
وإدعى بعضهم إتحاد التسيير في البر والبحر وإستدل بالآية على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وتعقب بأنه تكلف والزمخشري لم يؤول التسيير بما ذكرنا وجعل الغاية مضمون الجملة الشرطية الواقعةبعد حتى بما في حيزها كأنه قيل : يسيركم حتى إذا وقعت هذه الحادثةوكان كيت وكيت من مجيء الريح العاصف وتراكم الأمواج والظن للهلاك والدعاء بالإنجاء دون الكون في البحر وتعقب ذلك القطب بأنه لو جعل الكون في الفلك مع ما عطف عليه من قوله تعالى : وجرين بهم بريح طيبةوفرحوا بها كفى ولم يحتج إلى إعتبار مجموع الشرط والجزاء ثم قال : والتحقيق أن الغاية إن فسرت بما ينتهي إليه الشيء بالذات فهي ليس إلا ما وقع شرطا في مثل ذلك وإن فسرت بما ينتهي إليه الشيء مطلقاسواء كان بالذات أو بالواسطة فهي مجموع الشرط والجزاء وإستوضح ذلك من قولك : مشيت حتى إذا بلغت البلد إتجرت فإن ما إنتهى إليه الشيء بالذات الوصول إلى البلد وأما الإتجار