أنهم متى إشتغلوا بعبادتها فان أولئك الرجال يشفعون لهم وقيل : إنهم كانوا يعتقدون أن المتولي لكل إقليم روح معين من أرواح الأفلاك فعينوا لذلك الروح صنما من الأصنام وإشتغلوا بعبادتها قصدا إلى عبادة الكواكب وقيل : غير ذلك والحق أن من الأصنام ماوضع على الوجه الأول ومنها ما وضع لكونها كالهياكل للروحانيات قل تبكيتا لهم أتنبؤن الله بما لايعلم أي أتخبرونه سبحانه بما لا وجود له ولا تحقق أصلا وهو كون الأصنام شفعاءهم عنده جل شأنه فإن مالا يعلمه علام الغيوب المحيط علمه بالكليات والجزئيات لا يكون له تحقق بالكلية وذكروا أن مثل ذلك لا يسمى شيئا بناء على أنه كما قال سيبويه ما يصح أن يعلم ويخبر عنه وهو يشمل الموجود والمعدوم كما حققه بعض أصحابنا كالمعتزلة وسموا ما لا يعلم بالمنفي كالشريك وكاجتماع الضدين وحقق ذلك الشيخ إبراهيم الكوراني في رسالة مستقلة أتى فيها بالعجب العجاب ويجوز أن يراد بالموصول أن له سبحانه سريكا والمقصود على الوجهين من ذكر أنباء الله تعالى بما لايحقق له ولم يتعلق به علمه التهكم والهزء بهم وإلا فلا أنباء وقوله سبحانه : في السموات ولا في الأرض في موضع الحال من العائد المحذوف أي بما لا يعلمه كائنا في ذلك والمقصود منه تأكيد النفي المدلول عليه بما قبله فإنه قد جرى في العرف أن يقال عند تأكيد النفي للشيء ليش هذا في السماء ولا في الأرض لإ عتقاد العامة أن كل مايوجد إما في السماء وإما في الأرض كما هو رأى المتكلمين في كل ما سوى الله تعالى إذ هو سبحانه المعبود المنزه عن الحلول في المكان والآيات التي ظاهرها ذلكم من المتشابه والمذاهب فيه شهيرة وهذا إذا أريد بالسماء والأرض جهتا العلو والسفل وقيل : الكلام إلزامي لزعم المخاطبين الكافرين أن الأمر كذلك وقيل : إن معنى الآية أتخبرونه تعالى بشريك أو شفيع لا يعلم شيئا في السموات ولا في الأرض كما في قوله تعالى : ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السموات والارض وليس بشيء سبحانه وتعالى عما يشركون 18 أي عن إشراكهم المستلزم لتلك المقالة الباطلة أو عن شركائهم الذين يعتقدونهم شركاء وقرىء أتنبئون بالتخفيف وقرأ حمزة والكسائي تشركون بتاء الخطاب على أنه من جملة القول المأمور به وعلى الأول هو إعتراض تذليلي من جهته سبحانه وتعالى .
وماكان الناس إلا أمة واحدة أي وما كان الناس من أول الأمر إلامتفقين على الحق والتوحيد من غير إختلاف وروي هذا عن ابن عباس والسدي ومجاهد والجبائي وأبي مسلم ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وما كان الناس إلا أمة واحدة على هدى وذلك من عهد آدم E إلى أن قتل قابيل هابيل وقيل : إلى زمن إدريس E وقيل : إلى زمن نوح E وكانوا عشرة قرون وقيل : كانوا كذلك في زمنه E بعد أن لم يبق على الأرض من الكافرين ديار إلى أن ظهر بينهم الكفر وقيل : من لدن إبراهيم E إلى أن أظهر عمرو بن لحي عبادة الأصنام وهو المروي عن عطاء وعليه فالمراد من الناس العرب خاصة وهو الأنسب بإيراد الآية الكريمة إثر حكاية ماحكي منهم من الهنات وتنزيه ساحة الكبرياء عن ذلك