لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم وفي بعض الآثار أنهم كانوا يقولون : العجب أن الله تعالى لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب والعجب من فرط جهلهم أما في قولهم الأول فحيث لم يعلموا أن بعث الملك إنما يكون عند كون المبعوث اليهم ملائكة كما قال تعالى : قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا وأما عامة البشر فبمعزل عن إستحقاق مفاوضة الملائكة لأنها منوطة بالتناسب فبعث الملك اليهم مزاحم للحكمة التي عليها يدور فلك التكوين والتشريع وإنما الذي تقتضيه الحكمة بعث الملك من بينهم إلى الخواص المختصين بالنفوس الزكية المؤيدين بالقوة القدسية المتعلقين بكلا العالمين الروحاني والجسماني ليتأتى لهم الإستفاضة والإفاضة وهذا تابع للإستعداد الأزلى كما لايخفى وأما في قولهم الثاني فلان مناط الإصطفاء للإيحاء إلى شخص هو التقدم في الإتصاف بما علمت والسبق في إحراز الفضائل وحيازة الملكات السنية جبلة وإكتسابا ولا ريب لأحد في أن للنبي صلى الله عليه وسلّم القدح المعلى من ذلك بل له E فيه غاية الغايات القاصية ونهاية النائية يقول رائيه .
وأحسن منك لم ترقط عيني ومثلك قط لم تلد النساء خلقت مبرأ من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء وكذا يقول : ولو صورت نفسك لم تزدها على ما فيك من كرم الطباع وأما التقدم في الرياسة الدنيوية والسبق في نيل الدنية فلا دخل له في ذلك قطعا بل له إخلال به غالبا وماأحسن قول الشافعي رضي الله تعالى عنه من أبيات : لكن من رزق الحجا حرم الغني ضدان مفترقان أي تفرق وماذكروه من اليتم ان رجع إلى ما في الآية على التوجيه الثاني فبطلانه بطلانه وإن أرادوا أن أصل اليتم مانع من الإيحاء إليه صلى الله تعالى عليه وسلم فهو أظهر بطلانا وأوضح هذيانا وما ألطف ماقيل إن أنفس الدر يتيمه وقيل للحسن : لم جعل الله تعالى النبي A يتيما فقال : لئلا يكون لمخلوق عليه منة فان الله سبحانه هو الذي آواه وأدبه ورباه A هذا والوجه الثاني من الوجهين السابقين في قوله سبحانه : إلى رجل منهم على الوجه الذي ذكرناه هو الذي أراده صاحب الكشاف ولم ترضه الجلال السيوطي وزعم إن التحامي عنه أولى ثم قال : والذي عندي في تفسير ذلك أن المراد إلى مشهور بينهم يعرفون نسبه وجلالته وأمانته وعفته كما قال سبحانه : في آخر السورة التي قبل لقد جاءكم رسول من أنفسكم فإن هذا هو محل إنكار العجب ويكون هذا وجه مناسبة وضع هذه السورة بعد تلك وإعتلاق أول هذه بآخر تلك ونظيره ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه ربنا وابعث فيهم رسولا منهم إلى آخر ماقال وتعقب بأنه غير ظاهر لأنه وإن كان أعظم مما ذكر لكن السياق يقتضي كفرهم وتذليلهم وتحقير من أعزه الله تعالى وعظمه والذي يقتضيه سبب النزول تعين الوجه الأول هنا فقد أخرج إبن جرير وغيره عن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : لما بعث الله تعالى محمدا A رسولا أنكرت العرب ذلك أو من أنكر منهم فقالوا : الله تعالى أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد E فأنزل سبحانه أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم الآية وقوله تعالى : وماأرسلنا من قبلك إلا رجالا الآية