فإنتصاب أحسن على المصدرية لاضافته الى مصدر محذوف .
وقال الامام : فيه وجهان الأول أن الأحسن صفة عملهم وفيه الواجب والمندوب والمباح فهو يجزيهم على الأولين دون الأخير والظاهر أن نصب أحسن حينئذ على أنه بدل إشتمال من ضمير يجزيهم كما قيل وأورد عليه أنه ناء عن المقام مع قلة فائدته لأن حاصله أنه تعالى على الواجب والمندوب وأن ماذكر منه ولايخفى ركاكته وأنه غير خفي على أحد وكونه كناية عن العفو عما فرط منهم في خلاله أن وقع لأن تخصيص الجزاء به يشعر بأنه لا يجازي على غيره خلاف الظاهر ثم قال : الثاني أن الأحسن صفة للجزاء أي ليجزيهم جزاء هو أحسن من أعمالهم وأفضل وهوالثواب وإعتراضه أبو حيان بأنه إذا كان الأحسن صفة الجزاء كيف يضاف إلى الأعمال وليس بعضا منها وكيف يفضل عليهم بدون من ولا وجه لدفعه بأن أصله مما كانوا إلخ فحذف من مع بقاء المعنى على حاله كما قيل لأنه لامحصل له هذا ووصف النفقة بالصغيرة والكبيرة دون القليلة والكثيرة مع أن المراد ذلك قيل حملا للطاعة على المعصية فانها إنما توصف بالصغيرة والكبيرة في كلامهم دون القليلة والكثيرة فتأمل وماكان للمؤمنين لينفروا كافة أي ما إستقام لهم أن يخرجوا إلى الغزو جميعا روى الكلبي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه تعالى لما شدد على المتخلفين قالوا : لا يتخلف منا أحد عن جيش أو سرية أبدا ففعلوا ذلك و بقي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وحده فنزل وماكان إلخ والمراد نهيهم عن النفير جميعا لما فيه من الإخلال بالتعلم فلو لا نفر لولا هنا تحضيضية وهي مع الماضي تفيد التوبيخ على ترك الفعل ومع المضارع تفيد طلبه والأمر به لكن اللوم على الترك فيما يمكن تلافيه قد يفيد الأمر به في المستقبل أي فهلا نفر من كل فرقة أي جماعة كثيرة منهم كأهل بلدة أو قبيلة عظيمة طائفة أي جماعة قليلة وحمل الفرقة والطائفة على ذلك مأخوذ من السياق ومن التبعيضية لأن البعض في الغالب أقل من الباقي وإلا فالجوهري لم يفرق بينهما وذكر بعضهم أن الطائفة قد تقع على الواحد وآخرون أنها لا تقع وأن أقلها إثنان وقيل : ثلاثة ليتفقهوا في الدين أي ليتكلفوا الفقاهة فيه فصيغة التفعل للتكلف وليس المراد به معناه المتبادر بل مقاساة الشدة في طلب ذلك لصعوبته فهو لا يحصل بدون جد وجهد ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون 122 أي عما ينذرون منه وضمير يتفقوا وينذروا عائد إلى الفرقة الباقية المفهومة من الكلام وقيل : لابد من إضمار وتقدير أي فلو لا نفر من كل فرقة طائفة وأقام طائفة ليتفقهوا إلخ .
وكان الظاهر أن يقال : ليعلموا بدل لينذروا ويفقهون بدل يحذرون لكنه إختير مافي النظم الجليل للإشارة إلى أنه ينبغي أن يكون غرض المعلم الإرشاد والإنذار وغرض المتعلم إكتساب الخشية لا التبسط والإستكبار .
قال حجة الإسلام الغزالي عليه الرحمة : كان إسم الفقه في العصر الأول إسما لعلم الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات الأعمال وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة وإستيلاء الخوف على القلب وتدل عليه هذه الآية فما به الإنذار والتخويف هو الفقه تعريفات الطلاق والعان والسلم والإجارات وسأل فرقد السنجي الحسن عن شيء فأجابه فقال : إن الفقهاء يخالفونك فقال الحسن : ثكلتك أمك هل رأيت