وقيل : إن الأحسن في الجواب إلتزام أن ما في الخبرين ليس من الشفاعةفي شيء ويقال : إن إبراهيم E ظن أن خزي أبيه فيمعنى الخزي له فطلب بحكم وعد الله سبحانه إياه أن لا يخزيه تخليصه من ذلك حسبما يمكن فخلصه منه بمسخه ذيخا ولعل ذلك مما يعده إبراهيم عليه السلام تخليصا له من الخزي لإختلاف النوع وعدم معرفة العارفين لأبيه بعد أنه أبوه فكأن الأبوة إنقطعت من البين ويؤذن بذلك أنه بعد المسخ يأخذ سبحانه بأنفه فيقول عليه السلام : يا عبدي هذا أبوك فيقول : لا وعزتك ولعل المراد من التبري في الرواية السابقة فيالخبر الأول هو هذا القول وتوسيط حديث تحريم الجنة على الكافرين ليس لأن إبراهيم عليه السلام كان طالبا إدخال أبيه فيها بل لإظهار عدم إمكان هذا الوجه من التخليص إقناطا لأبيه وإعلاما له بعظم ماأتى به ويحمل قوله عليه السلام في خبر الحاكم حين يقال له : يا عبدي أدخل منأي أبواب الجنه شئت أي رب وأبي معي على معنى أأدخل وأبي واقف معي والمراد لا أدخل وأبي في هذه الحال وإنما أدخل إذا تغيرت ويكون قوله عليه السلام : فإنك وعدتني أن لا تخزيني تعليلا للنفي المدلول عليهبالإستفهام المقدر وحينئذ يرجع الأمر إلى طلب التخليص عما ظنه خزيا له أيضا فيمسخ ضبعا لذلك ولا يرد أن التخليص ممكن بغير المسخ المذكورلأنا نقول لعل إختيار ذلك المسخ دون غيره من الأمور الممكنة ماعدادخول الجنة لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه وقد ذكروا أن حكمة مسخه ضبغا دون غيره من الحيوانات أن الضبع أحمق الحيوانات ومن حمقه أنهيغفل عما يجب له التيقظ ولذلك قال علي كرم الله تعالى وجهه : لا أكون كالضبع يسمع الكدم فيخرج له حتى يصاد وآزر لما لم يقبل النصيحة من أشفق الناس عليه زمان إمكان نفعها له وأخذ بإزرته حين لا ينفعه ذلك شيئا كان أشبه الخلق بالضبع فمسخ ضبعا دون غيره لذلك ولم يذكروا حكمة إختيار المسخ دون غيره وهو لا يخلو عن حكمة والجهل بها لايضر إنتهى .
ولا يخفى ما في هذا الجواب من التكلف وأولى منه إلتزام كون فاعل وعد ضمير الأب وضمير إياه راجعا إلى إبراهيم E وكون التبين والتبري واقعين في الآخرة حسبما تضمنه الخبران السابقان فحينئذ لا يبعد أن يكون إبراهيم مستغفر لأبيه بعد وعده إياه بالإيمان طالبا له الجنة لظن أنه وفى بوعده حتى يمسخ ديخا لكن لا يساعد عليه ظاهر الآية ولا المأثور عن سلف الأمة وإن صح كون الآية عليه دفعا لما يرد على الآية الأولى من النقض أيضا بالعناية ولعل أخف الأجوبة مؤنة كون مراد إبراهيم عليه الصلاةوالسلام من تلك المحاورة التي تصدر منه في ذلك الموقف إظهارالعذرفيه لأبيه وغيره على أتم وجه لا طلب المغفرة حقيقة وهذا كما قال المعتزلة في سؤال موسى عليه السلام رؤية الله تعالى مع العلمبإمتناعها في زعمهم والقول بأن أهل الموقف الأنبياء عليهم الصلاةوالسلام وغيرهم من سائر المؤمنين والكفار سواء في العلم بإمتناع المغفرة للمشرك مثلا في حيز المنع وربما يدعى عدم المساواة لظاهرطلب الكفار العفو والإخراج من النار ونحو ذلك بل في الخبرين السابقين مايدل على عدم علم الأب بحقيقة الحال وأنه لا يغفر له فتأمل ذاك والله سبحانه يتولى هداك وبقي أيضا أنه إستشكل القول بأن إستغفار إبراهيم E لأبيه حتى تبين له أنه عدو لله كان فيحياته بما في سورة الممتحنة من قوله سبحانه : قد كانت لكم أسوةحسنة في إبراهيم إلى قوله سبحانه : إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك حيث منع من الإقتداء به فيه ولو كان في حياته لم يمنع منه لأنه يجوزالإستغفار بمعنى طلب الإيمان لأحياء المشركين وأجيب بأنه إنما منع منالإقتداء بظاهره وظن