لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا وقيل إستئناف لبيان ماحمله على الإستغفار وأورد عليه أنه يشعر بظاهره أن إستغفار إبراهيم عليهالسلام لأبيه عن وفور الرحمة وزيادة الحلم وهو يخالف صدر الآية حيث دل على أنه كان عن موعدة ليس إلا ولعل المراد أن سبب الإستغفار ليس إلاالموعدة الناشئة عما ذكر فلا إشكال وفيها تأكيد لوجوب الإجتناب بعد التبين كأنه قيل : إنه E تبرأ منه بعد التبين وهو في كمال رقة القلب والحلم فلا بد أن يكون غيره أكثر منه إجتنابا وتبرؤا وجوز بعضهم أن يكون فاعل وعد ضمير الأب و إياه ضميرإبراهيم E أي إلا عن موعدة وعدها إبراهيم أبوهوهي الوعد بالإيمان .
قال شيخ مشايخنا صبغة الله أفندي الحيددري : لعل هذا هو الأظهر في التفسير فان ظاهر السياق أن هذه الآية دفع لما يرد على الآية الأولى من النقض بإستغفار إبراهيم لأبيه الكافر ويكفي فيه مجرد كونه في حياةأبيه حيث يحمل ذلك على طلب المغفرة له بالتوفيق للإيمان كما قرر سابقا من غير حاجة إلى حديث الموعدة فيصير إلاعن موعدة وعدها إياه كلحشو على التوجيه الأول للضمير بخلاف هذا التوجيه فإن محصله عليه هو أنه لا يرد إستغفار إبراهيم لأبيه نقضا على ما ذكرنا إذ هو إنما صدر منه E بإيمانه حيث سبق وعده به معه E فظن أنه وفي بالوعد وجرى على مقتضى العهد فإستغفر له فلما تبين له أنه لن يفي ولن يؤمن قط أولم يف ولم يؤمن تبرأ منه .
ويمكن أن يوجه ذكر الموعدة على التوجيه الأول أيضا بأن يقال : أراد سبحانه وتعالى تضمين الجواب بكون ذلك الإستغفار في حال حياة المستغفر له وحمله على الطلب المذكور فائدة أخرى هي أنه صلى الله تعالى عليه و سلم لغاية تصلبه في الدين وفرط تعصبه على اليقين ماكان يستغفر له وإن كان جائزا لكن تأوه وتحلم فإستغفر له وفاء بالموعدة التي وعدها إياه فتفطن إنتهى وأنت تعلم أنه على التوجيه الثاني لا يستقيم ماقالوه في إستئناف الجملة من أنه لبيان الحامل وكان عليه أن يذكر وجه ذلك عليه وأيضا قوله C تعالى في بيان الفائدة : لكنه تأوه وتحلم حيث نسب فيه الحلم إلى إبراهيم E بصيغة التفعل مع وصفه تعالى له E بالحليم عثرة لا يقال لصاحبها لعا وحمل ذلك علىالمشاكلة مع إرادة فعل مما لا يوافق غرضه وسوق كلامه فالحق الذي ينبغي أن يعول عليه التفسير الأول للآية وهو الذي يقتضيه ماروى عن الحسن وغيره من سلف الأمة رضي الله تعالى عنهم وذكر حديث الموعدة لبيان الواقع في نفس الأمر مع مافيه من الإشارة إلى تأكيد الإجتناب وتقوية الفرق كأنه قيل : فرق بين بين الإستغفار الذي نهيتم عنه وإستغفار إبراهيم عليه السلام فإن إستغفاره كان قبل التبين وكان عن موعدة دعاه إليها فرط رأفته وحلمه ومانهيتم عنه ليس كذلك بقي أن هذه الآية يخالفها ظاهر مارواه البخاري في الصحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : يلقى إبراهيم عليه السلام أباه يوم القيامة وعلى وجهه قترة وغبرة فيقول إبراهيم E : ألم أقل لك لا تعصني فيقول أبوه اليوم لا أعصيك فيقول إبراهيم E : يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون فأي خزي أخزى من أبي الأبعد فيقول الله تعالى إني حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال : يا إبراهيم ماتحت رجليلك فينظر فإذا هو بذيخ متلطخ بقوائمه فيلقى في النار ورواه غيره بزيادة فيتبرأ منه فإن الآية ظاهرة في انقطاع رجاء إبراهيم عليه السلام اتصاف أبيه بالإيمان وجزمه بأنه لا يغفر له ولذلك تبرأ منه وترك الإستغفار له فان الإستغفار له مع الجزم بأنه لا يغفر له مما لا يتصور