من العابدين الذين أتوا بالعبادة على وجهها وقال الحسن : هم الذين عبدوا الله تعالى في أحايينهم كلها أما والله ماهو بشهر ولا شهرين ولا سنة ولاسنتين ولكن كما قال العبد الصالح : وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا وقال قتادة : هم قوم أخذوا من أبدانهم في ليلهم ونهارهم الحامدون أي الذين يحمدون الله تعالى على كل حال كما روي على غير واحد من السلف فالحمد بمعنى الوصف بالجميل مطلقا وقيل : هو بمعن الشكر فيكون في مقابلة النعمة أي الحامدون لنعمائه تعالى وأنت تعلم أن الحمد في كل حال أولى وفيه تأس برسول الله صلى الله عليه وسلّم : فقد أخرج ابن مردويه وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن ابن عباس رضي اللهعنهما قال : قال رسول الله A أول من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون على السراء والضراء وجاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كان النبي A إذا أتاه الأمر يسره قال : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات واذا أتاه الأمر يكرهه قال : الحمد لله على كل حال السائحون أي الصائمون فقد أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم أن النبي A سئل عن ذلك فاجاب بما ذكر وإليه ذهب جلة من الصحابة والتابعين .
وجاء عن عائشة سياحة هذه الأمة الصيام وهو من باب الإستعارة لأن الصوم يعوق عن الشهوات كما أن السياحة تمنع منها في الأكثر أو لأنه رياضة روحانية ينكشف من أحوال الملك والملكوت فشبه الإطلاع عليها بالإطلاع على البلدان والأماكن النائية إذ لا يزال المرتاض يتوصل منمقام إلى مقام ويدخل من مدائن المعارف إلى مدينة بعد أخرى على مطايا الفكر وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد أن السائحين هم المهاجرون وليس في أمة محمد A سياحة إلا الهجرة .
وأخرج هو وأبو الشيخ عن عكرمة أنهم طلبة العلم لأنهم يسيحون في الأرض لطلبه وقيل : هم المجاهدون لما أخرج الحاكم وصححه والطبراني وغيرهما عن أبي أمامة أن رجلا إستأذن رسول الله A في السياحة فقال : إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله تعالى والمختار ماتقدم كما أشرنا لم تحمل السياحة على المعنى المشهور لأنها نوع من الرهبانيةوقد نهى عنها وكانت كما أخرج ابن جرير عن وهب بن منبه في بني إسرائيل الركعون السجدون أي في الصوات المفروضات كما روي عن الحسن فالركوع والسجود على معناهما الحقيقي وجعلهما بعضهم عبارة عن الصلاة لأنهما أعظم أركانها فكأنه قيل : المصلون الآمرون بالمعروف أي الإيمان والناهون عن المنكر أي الشرك كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في الأمرين ولو أبقى لفظ النظم الجليل على عمومه لكان له وجه بل قيل إنه الأولى والعطف هنا على مافي المغني إنما كان من جهة إن الأمر والنهي من حيث هما أمر ونهى متقابلان بخلاف بقية الصفات لأن الأمر بالمعروف ناه عن المنكر وهو ترك المعروف والناهي عن المنكر آمر بالمعروف فأشير إلى الإعتداد بكل من الوصفين وأنه لايكفي فيه مايحصل في ضمن الآخر وحاصله على ماقيل : إن العطف لما بينهما من التقابل أو لدفع الإيهام .
ووجه بعض المحققين ذلك بأن بينهما تلازما في الذهن والخارج لأن الأوامر تتضمن النواهي ومنافاة بحسب الظاهر لأن أحداهما طلب فعل والآخر طلب ترك فكانا بين كمال الإتصال والإنقطاع المقتضى للعطف بخلاف