وقيل : بيان لنفس الإشتراء وقيل : ذكر لبعض ما شمله الكلام السابق إهتماما به على أن معنى ذلك أنه تعالى إشترى من المؤمنين أنفسهم بصرفها في العمل الصالح وأموالهم ببذلها فيما يرضيه وهو في جميع ذلك خبر لفظا ومعنى ولا محل له من الإعراب وقيل : إنه في معنى الأمركقوله سبحانه : تجاهدون بأموالكم وأنفسكم ووجه ذلك بأنه أتى بالمضارع بعد الماضي لإفادة الإستمرار كأنه قيل : إشتريت منكم أنفسكمفي الأزل وأعطيتم ثمنها الجنة فسلموا المبيع وإستمروا على القتال ولا يخفى ما في بعض هذه الأقوال من النظر وأنظر هل ثم مانع من جعلالجملة في موضع الحال كأنه قيل : إشترى منهم ذلك حال كونهم مقاتلين في سبيله فإني لم أقف على من صرح بذلك مع أنه أوفق الأوجه بالإستعارةالتمثيلية تأمل .
وقوله سبحانه : فيقتلون ويقتلون بيان لكون القتال في سبيل الله تعالى بذلا للنفس وأن المقاتل في سبيله تعالى باذل لها وإن كانت سالمة غانمة فإن الإسناد في الفعلين ليس بطريق إشتراط الجمع بينهما ولا إشتراط الإتصاف بأحدهما البتة بل بطريق وصف الكل بحال البعض فإنه يتحقق القتال من الكل سواء وجد الفعلان أو أحدهما منهم أو منبعضهم بل يتحقق ذلك وإن لم يصدر منهم أحدهما أيضا كما إذا وجد المضاربة ولم يوجد القتل من أحد الجانبين ويفهم كلام بعضهم أنهيتحقق الجهاد بمجرد العزيمة والنفير وتكثير السواد إن لم توجد مضاربة وليس بالبعيد لما أن في ذلك تعريض النفس للهلاك أيضا والظاهر أن أجور المجاهدين مختلفة قلة وكثرة وإن كان هناك قدر مشترك بينهم ففي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : مامن غازية تغزو فيسبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم وفي رواية أخرى مامنغازية أو سرية تغزو وتسلم إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم ومامن غازية أو سرية تحنق وتصاب إلا أتم أجورهم وزعم بعضهم أنهم في الأجر سواء ولا ينقص أجرهم بالغنيمة وإستدلوا عليه بما في الصحيحينمن أن المجاهد يرجع بما نال من أجر وغنيمة وبأن أهل بدر غنموا وهم هم ويرد عليه أن خبر الصحيحين مطلق وخبر مسلم مقيد فيجب حمله عليه وبأنه لم يجيء نص في أهل بدر أنهم لو لم يغنموا لكان أجرهم على قدر أجرهم وقد غنموا فقط وكونهم هم هم لا يلزم منه أن لايكون وراء مرتبتهم مرتبة أخرى أفضل منها والقول بأن في السند أبا هانيء وهو مجهول فلا يعول على خبره غلط فاحش فإنه ثقة مشهور روى عنه الليث بن سعد وحيوة وابن وهب وخلائق من الأئمة ويكفي في توثيقه إحتجاج مسلم به في صحيحه ومثل هذا ما حكاه القاضي عن بعضهم من أن تعجل ثلثي الأجر إنما هو في غنيمة أخذت على غير وجهها إذ لو كانت كذلك لم يكن ثلث الأجر وكذا ما قيل : من أن الحديث محمول على من خرج بنية الغزو والغنيمة معا فإن ذلك ينقص ثوابه لا محالة فالصواب أن أجر من لم يغنم أكثر من أجر من غنم لصريح ماذكرناهالموافق لصرائح الأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ويعلم من ذلك أن أجر من قتل أكثر من أجر من قتل لكون الأول منالشهداء دون الثاني وظاهر ماأخرجه مسلم من رواية أبي هريرة منقتل في سبيل الله تعالى فهو شهيد ومن مات في سبيل الله تعالى فهو شهيد أن القتل في سبيل الله تعالى والموت فيها سواء في الأجر وهو الموافق لمعنى قوله تعالى : ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وإستدل له أيضا بعض