أو سميع يجيب دعاءك لهم عليم بما تقتضيه الحكمة والجملة حينئذ تذليل للتعليل مقرر لمضمونه وعلى الأول تذليل لما سبق من الآيتين محقق لما فيهما ألم يعلموا الضمير إما للمتوب عليهم والمراد تمكين قبول توبتهم في قلوبهم والإعتداد بصدقاتهم وإما لغيرهم والمراد التحضيض على التوبة والصدقة والترغيب فيهما .
وقريء تعلموا بالتاء هو على الأول التفات وعلى الثاني بتقدير قل وجوز أن يكون الضمير للتائبين وغيرهم على أن يكون المقصود التمكين والتخصيص لا غير وإختار بعضهم كونه للغير لا غير لما روي أنه لما نزلت توبة هؤلاء التائبين قال الذين لم يتوبوا من المخلفين هؤلاء كانوا معنا بالأمس لا يكلمون ولا يجالسون فما لهم اليوم نزلت ويشعر صنيع الجمهور بإختيار الأول وهو الذي يقتضيه سياق الآية والخبر لم نقف على سند له يعول عليه أي ألم يعلم هؤلاء التائبون أن الله هو يقبل التوبة الصحيحة الخالصة عن عباده المخلصين فيها وتعدية القبول بعن لتضمنه معنى التجاوز والعفو أي يقبل ذلك متجاوزا عن ذنوبهم التي تابوا عنها وقيل : عن بمعنى من والضمير إما للتأكيد أوله مع التخصيص بمعنى أن الله سبحانه يقبل التوبة لا غيره أي أنه تعالى يفعل ذلك البتة لما قرر أن ضمير الفصل يفيد ذلك والخبر المضارع من مواقعه وجعل بعضهم التخصيص بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم أي أنه جل وعلا يقبل التوبة لا رسوله E لأن كثرة رجوعهم إليه مظنة لتوهم ذلك والمراد بالعباد إما أولئك التائبون ووضع الظاهر موضع الضمير للإشعار بعلية مايشير إليه القبول وإما كافةالعباد وهم داخلون في ذلك دخولا أوليا ويأخذ الصدقات أي يقبلها قبول من يأخذ شيئا ليؤدى بدله فالأخذ هنا إستعارة للقبول وجوز أن يكون إسناد الأخذ إلى الله تعالى مجازا مرسلا وقيل : نسبة الأخذ إلى الرسول في قوله سبحانه : خذ ثم نسبته إلى ذاته تعالى إشارة إلى أن أخذ الرسول E قائم مقام أخذ الله تعالى تعظيما لشأن نبيه A كما في قوله تعالى : إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله فهو على حقيقته وهو معنى حسن إلا أن في دعوى الحقيقة ما لا يخفى والمختار عندي أن المراد بأخذ الصدقات الإعتناء بأمرها ووقوعها عنده سبحانه موقعا حسنا وفي التعبير به مالا يخفى من الترغيب وقد أخرج عبدالرزاق عن أبي هريرة أن الله تعالى يقبل الصدقة إذا كانت من طيب ويأخذها بيمينه وإن الرجل ليتصدق بمثل اللقمة فيربيها له كما يربي أحدكم فصيله أو مهره فتربو في كف الله تعالى حتى تكون مثل أحد وأخرج الدارقطني في الأفراد عن ابن عباس قال : قال رسول الله A تصدقوا فإن أحدكم يعطى اللقمة أو الشيء فيقع في يد الله D قبل أن يقع في يد السائل ثم تلا هذه الآية وفي بعض الروايات مايدل علىأنه ليس هناك أخذ حقيقة فقد أخرج ابن المنذر وغيره عن أبي هريرة قال : قال رسول الله A والذي نفسي بيده مامن عبد يتصدق بصدقة طيبة من كسب طيب ولا يقبل الله تعالى إلا طيبا ولا يصعد إلى السماء إلا طيب فيضعها في حق إلا كانت كأنما يضعها في يد الرحمن فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى أن اللقمة أو التمرة لتأتي يوم القيامة مثل الجبل العظيم .
وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى ألم يعلموا أن الله يقبل التوبة الآية و أل في الصدقات يحتمل أن تكون عوضا عن المضاف إليه صدقاتهم وان تكون للجنس أي جنس الصدقات المندرج فيه صدقاتهم إندراجا أوليا وهو الذي يقتضيه ظاهر الإخبار وأن الله هو التواب الرحيم 104 تأكيد لما عطف عليه وزيادة