لمذهبه الفاسد في تحتم الجزاء ومن غفل عن هذه الدسيسة وجهه وتعقبه الفهامة ابن قاسم بأن هذا لا وجه له لأنه أمر نقلي لا يدفعه ما ذكر ونسبة الغفلة للأئمة إنما أوجبه حب الإعتراض وحينئذ فالمعنى أولئك المنعوتون بما فصل من النعوت الجليلة يرحمهم الله تعالى لا محالة إن الله عزيز قوي قادر على كل شيء لا يمتنع عليه ما يريده حكيم .
17 .
- يضع الأشياء مواضعها ومن ذلك النعمة والنقمة والجملة تعليل للوعد وقوله تعالى : وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها في مقابلة الوعيد السابق للمنافقين المعبر عنه بالوعد تهكما كما مر ويفهم من كلام البعض أن قوله سبحانه : سيرحمهم بيان لإفاضة آثار الرحمة الدنيوية من التأييد والنصر وهذا تفصيل لآثار رحمته سبحانه الأخروية والإظهار في مقام الإضمار لزيادة التقرير والإشعار بعلية الإيمان لما تعلق به الوعد ولم يضم إليه باقي الأوصاف للإيذان بأنه من لوازمه ومستتبعاته والكلام في خالدين هنا كالكلام فيما مر ومساكن طيبة أي تستطيبها النفوس أو يطيب فيها العيش فالإسناد إما حقيقي أو مجازي .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن الحسن قال : سألت عمران بن حصين وأبا هريرة عن تفسير ومساكن طيبة فقالا : على الخبير سقطت سألنا عنها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : قصر من لؤلؤة في الجنة في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء في كل بيت سبعون سريرا على كل سرير سبعون فرشا من كل لون على كل فراش امرأة من الحور العين في كل بيت سبعون مائدة في كل مائدة سبعون لونا من كل طعام في كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة فيعطى المؤمن من القوة في كل غداة ما يأتي على ذلك كله في جنات عدن قيل : هو علم لمكان مخصوص بدليل قوله تعالى : جنات عدن التي وعد الرحمن حيث وصف فيه بالمعرفة ولما أخرجه البزار والدارقطني في المختلف والمؤتلف وابن مردويه من حديث أبي الدرداء قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عدن دار الله تعالى لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاثة : النبيون والصديقون والشهداء يقول الله سبحانه طوبى لمن دخلك وروي عن عبدالله بن عمرو بن العاص أن في الجنة قصرا يقال له عدن حوله البروج والمروج له خمسة آلاف باب لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد وعن ابن مسعود أنها بطنان الجنة وسرتها وقال عطاء بن السائب : عدن نهر في الجنة جناته على حافاته وقيل : العدن في الأصل الإستقرار والثبات ويقال : عدن بالمكان إذا أقام والمراد به هنا الإقامة على وجه الخلود لأنه الفرد الكامل المناسب لمقام المدح أي في جنات إقامة وخلود وعلى هذا الجنات كلها جنات عدن لا يبغون عنها حولا والتغاير بين المساكن والجنات المشعر به العطف إما ذاتي بناء على أن يراد بالجنات غير عدن وهي لعامة المؤمنين وعدن للنبيين عليهم الصلاة والسلام والصديقين والشهداء أو يراد بها البساتين أنفسها وهي غير المساكن كما هو ظاهر فالوعد حينئذ صريحا بشيئين البساتين والمساكن فلكل أحد جنة ومسكن وإما تغاير وصفي فيكون كل منهما عاما ولكن الأول باعتبار إشتمالها على الأنهار والبساتين والثاني لا بهذا الإعتبار وكأنه وصف ما وعدوا به