روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في المنافقين حين استأذنوا في القعود عن الجهاد بغير عذر وكانوا على ما في بعض الروايات تسعة وثلاثين رجلا وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وغيرهما عنه أن قوله تعالى : لا يتأذنك الخ نسخته الآية التي في النور إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله إلى إن اله غفور رحيم فجعل الله النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بأعلى النظرين في ذلك من غزا غزا في فضيلة ومن قعد قعد في غير حرج إن شاء .
ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة أي أهبة من الزاد والراحلة وسائر ما يحتاج إليه المسافر في السفر الذي يريده .
وقريء عده بضم العين وتشديد الدال والإضافة إلى ضمير الخروج قال ابن جني : سمع محمد بن عبدالملك يقرأ بها وخرجت على أن الأصل عدته إلا أن التاء سقطت كما في إقام الصلاة وهو سماعي وإلى هذا ذهب الفراء والضمير على ما صرح به غير واحد عوض عن التاء المحذوفة قيل : ولا تحذف بغير عوض وقد فعلوا مثل ذلك في عدة بالتخفيف بمعنى الوعد كما في قول زهير : إن الخليط أجدوا البين فانجردوا وأخلفوك عدى الأمر الذي وعدوا وقريء عده بكسر العين باضافة وغيرها ولكن كره الله انبعاثهم أي خروجهم كما روي عن الضحاك أو نهوضهم للخروج كما قال غير واحد فثبطهم أي حبسهم وعوقهم عن ذلك : والإستدراك قيل عما يفهم من مقدم الشرطية فإن انتفاء إرادة الخروج يستلزم انتفاء خروجهم وكراهة الله تعالى انبعاثهم يستلزم تثبطهم عن الخروج فكأنه قيل : ما خرجوا لكن تثبطوا عن الخروج فهو إستدراك نفي الشيء باثبات ضده كما يستدرك نفي الإحسان باثبات الإساءة في قولك : ما أحسن إلي لكن أساء والإتفاق في المعنى لا يمنع الوقوع بين طرفي لكن بعد تحقق الإختلاف نفيا وإثباتا في اللفظ وبحث فيه بعضهم بأن لكن تقع بين ضدين أو نقيضين أو مختلفين على قول ووقعت فيما نحن فيه بين متفقين على هذا التقرير فالظاهر أنها للتأكيد كما أثبتوا مجيئها لذلك وفيه نظر : واستظهر بعض المحققين كون الإستدراك من نفس المقدم على نهج ما في الأقيسة الإستثنائية والمعنى لو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن ما أرادوه لما أنه تعالى كره انبعاثهم من المفاسد فحبسهم بالجبن والكسل فتثبطوا عنه ولم يستعدوا له .
وقيل اقعدوا مع القاعدين .
64 .
- تمثيل لخلق الله تعالى داعية القعود فيهم والقائه سبحانه كراهة الخروج في قلوبهم بالأمر بالقعود أو تمثيل لوسوسة الشيطان بذلك فليس هناك قول حقيقة ونظير ذلك قوله سبحانه : فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم أي أماتهم ويجوز أن يكون حكاية قول بعضهم لبعض أو أذن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم لهم في القعود فالقول على حقيقته والمراد بالقاعدين الذين شأنهم القعود والجثوم في البيوت كالنساء والصبيان والزمنى أو الرجال الذين يكون لهم عذر يمنعهم عن الخروج وفيه على بعض الإحتمالات من الذم ما لا يخفى فتدبر لو خرجوا فيكم بيان لكراهة الله تعالى انبعاثهم أي لو خرجوا مخالطين لكم ما زادوكم شيئا من الأشياء إلا خبالا أي شرا وفسادا وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عجزا وجبنا وعن الضحاك غدرا ومكرا وأصل الخبال كما قال الخازن : اضطراب ومرض يؤثر في العقل كالجنون وفي مجمع البيان أنه الإضطراب في الرأي والإستثناء مفرغ متصل والمستثنى منه ما علمت