بنا كان سدا لباب الإيحاش أم لا فإن كان الأول يحصل الإيحاش ولا بد فنكون قد وقعنا فيما فررنا عنه وإن كان الثاني فقد زعمت لنفسك رتبة لم تكن بالغها ولو زهقت روحك ولو زعمت المساواة في فهم عبارات القرآن الجليل وإشاراته لمصاقع أولئك العرب المشاهدين للوحي ما سلم لك أو تموت فكيف يسلم لك الإمتياز على الصديق وهو هو وقد فهم من إشارته صلى الله تعالى عليه وسلم في حديث التخيير ما خفي على سائر الصحابة حتى علي كرم الله تعالى وجهه فاستغربوا بكاؤه رضي الله تعالى يومئذ وما ذكر من التنظير في الآية مشير إلى التقية التي إتخذها الرافضة دينا وحرفوا لها الكلم عن مواضعها وقد أسلفنا لك الكلام في ذلك على أتم وجه فتذكره وما ذكر في أمر السكينة فجوابه يعلم مما ذكرناه وكون التخصيص مشيرا إلى إخراج الصديق رضي الله تعالى عنه عن زمرة المؤمنين كما رمز إليه الكلب عدو الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم لو كان ما خفي على أولئك المشاهدين للوحي الذين من جملتهم الأمير كرم الله تعالى وجهه فكيف مكنوه من الخلافة التي هي أخت النبوة عند الشيعة وهم الذين لا تأخذهم في الله تعالى لومة لائم وكون الصحابة قد إجتمعوا في ذلك على ضلالة والأمير كان مستضعفا فيما بينهم أو مأمورا بالسكوت وغمد السيف إذ ذاك كما زعمه المخالف قد طوى بساط رده وعاد شذر مذر فلا حاجة إلى إتعاب القلم في تسويد وجه زاعمه وما ذكر من أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لم يخرجه إلا حذرا من كيده فيه أن الآية ليس فيها شائبة دلالة على إخراجه له أصلا فضلا عن كون ذلك حذرا من الكيد على أن الحذر لو كان في معيته له E وأي فرصة تكون مثل الفرصة التي حصلت حين جاء الطلب لباب الغار فلو كان عند أبي بكر رضي الله تعالى عنه وحاشاه أدنى ما يقال لقال : هلموا فههنا الغرض ولا يقال : إنه خاف على نفسه أيضا لأنه يمكن أن يخلصها منهم بأمور ولا أقل من أن يقول لهم : خرجت لهذه المكيدة وأيضا لو كان الصديق كما يزعم الزنديق فأي شيء منعه من أن يقول لأبنه عبدالرحمن أو إبنته أسماء أو مولاه عامر بن فهيرة فقد كانوا يترددون إليه في الغار كما أخرج ابن مردويه عن عائشة فيخبر أحدهم الكفار بمكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على أنه على هذا الزعم يجيء حديث التمكين وهو أقوى شاهد على أنه هو هو وأيضا إذا انفتح باب هذا الهذيان أمكن للناصي أن يقول والعياذ بالله تعالى في علي كرم الله تعالى وجهه : إن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لم يأمره بالبيتوتة على فراشه الشريف ليلة هاجر إلا ليقتله المشركون ظنا منهم أنه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فيستريح منه وليس هذا القول بأعجب ولا أبطل من قول الشيعي : إن إخراج الصديق إنما كان حذرا من شره فليتق الله سبحانه من فتح هذا الباب المستهجن عند ذوي الألباب وزعم أن تجهيز الأمير كرم الله تعالى وجهه لهم بشراء الأباعر إشارة إلى ذلك لا يشير بوجه من الوجوه على أن ذلك وإن ذكرناه فيما قبل إنما جاء في بعض الروايات عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والمعول عليه عند المحدثين غير ذلك ولا بأس بإيراده تكميلا للفائدة وتنويرا لفضل الصىيق رضي الله تعالى عنه فنقول أخرج عبدالرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قالت : لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمرر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية ولما ابتلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك العماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال ابن الدغنة : أين تريد يا أبا بكر فقال أبو بكر : أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي قال ابن الدغنة : مثلك يا أبا بكر لايخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم